موضوع الكتاب، وهو ما يسمى عند العلماء «براعة الاستهلال»، وهي أن يقدِّم المصنفُ في ديباجة كتابه - أي في فاتحة كتابه - جملة من الألفاظ يشير بها إلى موضوع كتابه.
و«الحمد» الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله مع المحبة والتعظيم، ويكون هذا الثناء بالقلب واللسان.
ثم قال رحمه الله:(وأشكرُ من أرْشَدَنا إلى اتباعِ سُنَن سيدِ المرسلين)
هذا شكر من المؤلف - رحمه الله - لله تبارك وتعالى، فإنه هو من وضح وبيّن لنا طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرنا باتباعه.
ولعل المؤلف يشير بذلك إلى أن كتابه الفقهي هذا سيكون مبنيا على الكتاب والسنة، فإنه لم يذكر فيه من المسائل الفقهية إلا التي صحّ دليلها عنده أو أجمع عليها العلماء، وترك من المسائل ما استنبطه العلماء استنباطاً، أي المسائل الاجتهادية.
فقد حاول - رحمه الله - أن يسير على طريقة أهل الحديث في الفقه، التي تقدم الكتاب والسنة على كل شيء مع اعتبارهم للمعاني.
وهذه مدرسة من مدارس الفقه، وهي أول مدرسة وأكثر مدرسة تعظم الكتاب والسنة بطريقة صحيحة، وذلك لأنهم أخذوا هذه الطريقة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن المدارس الفقهية أيضا، مدرسة أهل الرأي، وهذه تعتمد على الرأي كثيراً في بناء فقهها، بل يصل الحال بالبعض إلى تقديم الرأي على النقل، أي على الكتاب والسنة، ومن هنا جاء ذم السلف للرأي.
وتعجبني كلمة قالها الإمام الأوزاعي - رحمه الله - في بعض أهل الرأي، قال: «ما نقمنا على فلان أنه يرى، كلنا يرى - يشير إلى أن القياس واستعمال الرأي في حال الضرورة كلنا نحتاج إليه، لكن هذا عند الضرورة، عندما لا يوجد في المسألة كتاب ولا سنة ولا إجماع - قال: ولكنا نقمنا عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخالفه إلى غيره. انتهى
هنا جاء الإنكار، فمصيبة أن تترك الكتاب والسنة، وتقدم رأيك، هذا ضلال وأيما ضلال، أن تلويَ أعناق النصوص كي تتماشى مع رأيك، وعقلك، كما يفعل كثير من أهل الأهواء اليوم.