هذه مدرسة ثانية، تسمى عند الفقهاء: مدرسة أهل الرأي، من أئمتها أبو حنيفة وتلاميذه.
وأما مدرسة أهل الحديث فمن أئمتها: صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأئمة التابعين كفقهاء المدينة السبعة، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
وكذلك فقهاء بلادهم في أزمانهم كالأوزاعي في الشام، ومالك في المدينة، والليث في مصر، وعبد الله بن المبارك في خراسان، والثوري في الكوفة، وابن عيينة في مكة، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، كل هؤلاء من أئمة أهل الحديث، كانوا يعظّمون الكتاب والسنة، ويقدمونهما، ولا يستعملون القياس إلا عند الضرورة، حين لا يوجد كتاب ولا سنة في المسألة.
و«الشكر»: ظهور أثر النعمة على اللسان والقلب والجوارح، بأن يكون اللسان مُقِرّاً بالمعروف مثنياً به، ويكون القلب معترفاً بالنعمة، وتكون الجوارح مسْتَعْمِلَةً النعمةَ فيما يرضاه المشكور.
والشكر لله يكون بذلك كله، فلا بد من صرف النعمة التي أنعم الله بها عليك في طاعته كي تكون شاكراً.
قال تعالى {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: ١٣].
وقال المغيرة بن شعبة: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تورّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال «أفلا أكون عبداً شكوراً»(١).
فالشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان والقلب، وأما الحمد فلا يكون بالعمل، فالشكر أعم من هذا الوجه.
والحمد يكون من غير سبق إحسان من المحمود، أو مع الإحسان، وأما الشكر فلا يكون إلا على الإحسان، فالحمد أعم من هذا الوجه.
ثم قال المؤلف - رحمه الله -: (وأُصلّي وأُسلِّم على الرسولِ الأمينِ وآله الطّاهرين وأصحابه الأكرمين)
(وأصلي وأسلم) أي أسأل الله أن يصلي ويسلم على سيدنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
(١) أخرجه البخاري (١١٣٠)، ومسلم (٢٨١٩) عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.