للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فهم بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلْمِ وَالسَّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرُوفِينَ، فَغَيْرُهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ مِمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الإِتْقَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَهُمْ فِي الْحَالِ وَالْمَرْتَبَةِ. لِأَنَّ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ.

أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ (١) هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ سميناهم، عطاء ويزيد وليثا، بمنصور بن المعتر وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيل بْنِ أَبِي خَالِدٍ، فِي إتقان الحديث و الاستقامة فيه، وجدتهم مباينين لهم. لا يدانونهم لاشك عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ. لِلَّذِي استفاض عندهم من صحة الحديث عند مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيل. وَإِتْقَانِهِمْ لِحَدِيثِهِمْ. وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ عَطَاءٍ وَيَزِيدَ وَلَيْثٍ.

وَفِي مِثْلِ مَجْرَى هَؤُلَاءِ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الأَقْرَانِ، كَابْنِ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، مَعَ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَأَشْعَثَ الْحُمْرَانِيِّ وَهُمَا صَاحِبَا الحسن وابن سيرين. كما أن بن عَوْنٍ وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا. إِلَّا أَنَّ الْبَوْنَ (٢) بَيْنَهُمَا وبين هاذين بَعِيدٌ فِي كَمَالِ الْفَضْلِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ. وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ عَنْ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلَكِنَّ الْحَالَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلَاءِ فِي التَّسْمِيَةِ، لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً (٣) يَصْدُرُ (٤) عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِيَ (٥) عَلَيْهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ. فَلَا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ. وَلَا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ. وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ. وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ.

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ. مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.

فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ، نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.


(١) (وازنت) معناه قابلت. قال القاضي عياض: ويروى وازيت بالياء أيضا، وهو بمعنى وازنت
(٢) (البون) معناه الفرق. أي أنهما متباعدان
(٣) (ليكون تمثيلهم سمة) السمة العلامة
(٤) (يصدر) أي يرجع. يقال: صدر عن الماء والبلاد والحج، إذا انصرف عنه بعد قضاء وطره. فمعنى يصدر عن فهمهما، ينصرف عنها بعد فهمها وقضاء حاجته منها
(٥) (غبي) أي خفي

<<  <  ج: ص:  >  >>