كبارُ العلماء الذين عمَّ صيتُهم الآفاق، وشغلت كتبُهم الناس، ومنهم العَلَّامة المُحَقق شيخ الإسلام عليُّ بن أبي بكر بن عبد الجَلِيل الفرغاني صاحب "الهدَايَة"، بل إنه كان أجلَّ مشايخه حيث صدَّر "مشيخته" التي جمعهَا لنَفسِهِ بِذكرِ الإمام نجم الدين، وذكرِ ابنِه أبي اللَّيْث أحمدَ بنِ عمر بعدَه، وقال: سمعتُ نجم الدِّين عمر يَقُول: أَنا أروي الحَدِيث عَن خمس مئَة وَخمسين شَيخًا.
وقد أثنى عليه كلُّ مَن عاصره أو جاء بعده، ولم يذكر فيه أحدٌ شيئًا سوى ما قاله السمعانيُّ من أنه لم يكن من أهلِ الحديث، وله فيه أوهامٌ وأخطاءٌ، وسيأتي كلامُ السمعاني، وسوف يأتي في هذه المقدِّمة إشارةٌ لهذا عند ذكر طريقته في إيراد الأحاديث.
أمَّا ثناءُ العلماء عليه فممَّا لا يُحصى، وسنسوقُ طرفًا منه لبيانِ مكانته في زمانه وبينَ علماء عصره، ومدْحِهم له في علمه وزُهده ودِينه، وحُسنِ جمعِه وتصنيفه، ونبدأ بقول السمعاني، فقد كان معاصرًا له وإن لم يلقه:
قال السمعاني: إمامٌ فقيهٌ فاضل، عارف بالمذهب والأدب، صنَّف التصانيف في الفقه والحديث، ونظَم "الجامع الصغير" وجعله شعرًا، وأما مجموعاتُه في الحديث فطالعتُ منها الكثير وتصفَّحتها، فرأيتُ فيها من الخطأ وتغييرِ الأسماء وإسقاطِ بعضها شيئًا كثيرًا وأوهامًا غيرَ محصورة، ولكنْ كان مرزوقًا في الجمع والتصنيف، كتب إليَّ الإجازةَ بجميع مسموعاته ومجموعاته، ولم أُدركه بسمرقندَ حيًّا، وحدَّثني عنه جماعة، وإنما ذكرتُه في هذا المجموع لكثرة تصانيفه، وشيوع ذكره، وإن لم يكن إسنادُه عاليًا، وكان ممن أحبَّ الحديثَ وطلبه، ولم يُرزق فهمه، وكان له شعرٌ حسنٌ مطبوعٌ على طريقة الفقهاء والحكماء.