وهي التوراةُ الشفهيةُ، وهو مجموعةُ قواعدَ ووصايا وشرائعَ دينيةٍ وأدبيةٍ ومدنيةٍ، وشروحٍ وتفاسيرَ وتعاليمَ ورواياتٍ كانت تُتناقَل وتُدرَّس شفهيًّا من حينٍ إلى آخر - وشروحِه، والأساطيرِ والخرافات، والأباطيلِ التي افترَوها أو تناقلوها عن غيرهم، وهذه كلُّها كانت المنابعَ الأصلية للإسرائيليات التي زخرت بها بعضُ كتبِ التفسيرِ والتاريخ والقصص والمواعظ، وهذه المنابعُ إن كان فيها حقٌّ ففيها باطل كثير، وإن كان فيها صدقٌ ففيها كذبٌ صُرَاح، وإن كان فيها سمينٌ ففيها غثٌّ كثير، فمِن ثَم انجرَّ ذلك إلى الإسرائيليات.
وقد يتوسَّع بعضُ الباحثين في الإسرائيليات، فيجعلُها شاملةً لِمَا كان من معارف اليهود، وما كان من معارفِ النصارى التي تدور حولَ الأناجيل وشروحها، والرسلِ وسيَرهم، ونحوِ ذلك؛ وإنما سمِّيت إسرائيلياتٍ لأن الغالبَ والكثيرَ منها إنما هو من ثقافةِ بني إسرائيل، أو من كتبهم ومعارفهم، أو من أساطيرهم وأباطيلهم.
والحق: أن ما في كتب التفسيرِ من المسيحيَّات أو من النصرانيَّات هو شيءٌ قليلٌ بالنسبةِ إلى ما فيها من الإسرائيليات؛ ولا يكادُ يُذكر بجانبها، وليس لها من الآثارِ السيئة ما للإسرائيليات؛ إذ معظمُها في الأخلاق، والمواعظِ، وتهذيبِ النفوس، وترقيق القلوب (١).
قلتُ: وأخبثُ الإسرائيلياتِ وأكثرُها خطرًا هو تلك التي يُخلط فيها بعضُ آيات القرآن، فلا شكَّ أنها مِن وضعِ كذابٍ خبيثٍ؛ لأنه أراد بتضمينه إياها آياتٍ من القرآن إيهامَ رفعها، ودفعَ الشكِّ عنها، وهذا أسلوبٌ لجأ إليه بعضُ الوضَّاعين بأنْ خلطوا مع الإسرائيلياتِ بعضَ ما ورد في القرآن والسنَّة، ليلبِّسوا على العامَّة أنها ليست من الإسرائيليات، وليست مما يقال بالرأي، وبالتالي فهي من المرفوع،
(١) انظر: "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" لمحمد أبو شهبة (ص: ١٢ - ١٤).