للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام القشيريُّ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}: مَن انتبه بزواجر الوعظ، وكبحَ لجامَ الهوى، ولم يُطلِق عنانَ الإصرار، فله الإمهالُ في الحال، فإنْ عاد إلى مذمومِ تلك الأحوال، فليَنتظِر وَشْك (١) الاستئصال، وفجاءةَ النَّكال (٢).

وقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: تعلَّقت المعتزلةُ بظاهر هذا في القول بتخليد الفُسَّاق في النار، أنَّه بعَوْده إلى آكلِ الرِّبا -وهو معصيةٌ- صار خالدًا في النار، وقلنا: معناه: ومَن عاد إلى الاستحلال، بدليلِ ما قبله وما بعده، فإنَّه قال في أوَّله: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وهذا تسويةٌ بينهما واستحلالٌ لهما، وقال في آخره: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} وهو (٣) مبالغةٌ في صفة الكافر (٤).

* * *

(٢٧٦) - {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}.

وقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا}: المحقُ: نقصانُ الشيء حالًا بعد حال حتى يذهبَ كلُّه كما في محاقِ الشهرِ، وهو حالُ آخذِ الربا؛ فإنَّه يذهب مالُه كلُّه ولا يَنتفع به ولدُه مِن بعده.

وقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}: أي: ينمِّيها ويَزيدها، فيُبارك في مالِه ويَنتفع (٥) به أولادُه مِن بعده.


(١) أي: سرعة. انظر: "القاموس" (مادة: وشك).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢١١).
(٣) "وهو": زيادة من (أ).
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٢٧١).
(٥) في (أ): "وينفع".