للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: قرأ أبو عمرو والكسائيُّ مقصورًا، وقرأ عاصمٌ -في رواية أبي بكر (١) - وحمزةُ ممدودًا (٢).

وتفسير المقصور: فاعلموا أنتم، وتفسير (٣) الممدود: فأَعْلِموا غيرَكم، يقال: آذَنْتُه بكذا إيذانًا، فأَذِنَ به أَذَنًا؛ أي: أعلمْتُه فعَلِم، وأصلُه: إسماعُ أذنه وإعلامُ قلبه به (٤).

وتقديره: فاعلموا أنَّكم تحاربون اللَّه ورسوله، وهو تعظيمُ حالِ المؤمنين؛ فإنَّه جعل إيذاءَهم كإيذائه (٥)، وهو تشبيهٌ لهم بقُطَّاع الطريق، فإنَّ اسمَهم في القرآن هذا: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣]، والجامع بينهما: أنَّ قاطعَ الطريق يحارب المؤمنين فيأخذ منهم ما لم يُعطِهم، فصار محاربًا للَّه ورسوله على معنى أنَّه آذى أولياءَ اللَّه وأولياءَ (٦) رسوله، والمرابي (٧) أيضًا بأخذِ الزيادةِ على رأسِ مالِه يأخُذ (٨) ما لم يعطِه، فكان كقاطع الطريق في ذلك (٩)، وهذا إثباتُ المعصية دون الكفر في حقِّ مَن لا يستحلُّه، وهذا كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقول اللَّه تعالى: مَن أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة" (١٠).


(١) في (أ): "في رواية غير حفص".
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ١٩٢)، و"التيسير" (ص: ٨٤).
(٣) في (أ): "ومعنى".
(٤) "به" سقط من (أ).
(٥) في (ر): "وهو تعظيم حال الربا فإنه جعل إيذانهم كإيذانه".
(٦) "أولياء": من (أ).
(٧) في (أ) و (ر): "والمربي".
(٨) في (ر): "أيضًا يأخذ الزيادة على رأس ماله فيأخذ".
(٩) بعدها في (ر): "يأخذ ما لم يعطه".
(١٠) قطعة من حديث قدسي رواه البخاري (٦٥٠٢) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه بلفظ: "مَن عادى لي وليًّا فقد آذَنْتُه بالحرب"، وله ألفاظ مقاربة في غير الصحيح، تنظر في "الفتح" (١١/ ٣٤٢).