للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{آمَنَ الرَّسُولُ} إلى قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (١)، فتعلَّق ذلك بالكسب دون العزم.

وفي بعضها أنها نُسخت بهذه (٢)، وأكثر المحققين من أهل الأصول على أن النسخ يكون في الأحكام دون الأخبار، وهذا خبر (٣)، وليس في أكثر الروايات لفظُ النسخ، بل ورود (٤) هذه الآية بعد تلك الآية، وهو (٥) بيان أنه لا يؤاخَذ بالخَطْرة فهي ليست في وسعه، ويؤاخَذ بالعزمة، أو تكون المحاسبة بالمسائلة ثم يكون العفو، وتفسيرُه ختم الآية وهو قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}.

ثم تكلَّموا في أهل هذه المشيئة، والصحيحُ أنه يعذب الكفار لا محالةَ ولا يغفر الشرك، فأما ما وراء ذلك: فإن شاء غفَره بفضله، وإن شاء عذَّب عليه بعدله.


(١) رواه مطولًا مسلم (١٢٥)، والإمام أحمد في "المسند" (٩٣٤٤)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، ومسلم (١٢٦)، والإمام أحمد في "المسند" (٩٣٤٤)، من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٢) ورد التصريح بالنسخ في حديث أبي هريرة السابق.
(٣) وقد ذكر ابن عطية رحمه اللَّه في "المحرر الوجيز" (١/ ٣٨٩) للنسخ توجيهًا حسنًا، وهو أن تكون الآية لفظها لفظ الخبر ومعناها الأمر، فقال بعد أن ذكر أنه مما يدفع أمر النسخ أن الآية خبرٌ: فإن ذهب ذاهب إلى تقرير النسخ، فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية، وذلك أن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهم: "قولوا: سمعنا وأطعنا" يجيء منه الأمر بأن يبنوا على هذا ويلتزموه، وينتظروا لطف اللَّه في الغفران، فإذا قرِّر هذا الحكم فصحيحٌ وقوع النسخ فيه، وتُشبه الآية حينئذ قوله عز وجل: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٥] فهذا لفظه الخبر ولكن معناه: التزموا هذا وابنوا عليه واصبروا بحسبه، ثم نسخ ذلك بعد ذلك، وأجمع الناس -فيما علمت- على أن هذه الآية في الجهاد منسوخة بصبر المئة للمائتين، وهذه الآية في البقرة أشبه شيء بها. وتنظر أقوال السلف والعلماء في القول بالنسخ أو الإحكام أو غير ذلك في "تفسير القرطبي" (٤/ ٤٨٦ - ٤٨٩).
(٤) في (ف): "بل ورد في"، وفي (ر): "ووردت".
(٥) في (ف): "وهذا".