للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وانتظامُها بما قبلها -وهو أحدُ هذه الأقاويل-: أنَّ النصارى لمَّا احتجُّوا لإثبات قولهم: ثالثُ ثلاثةٍ، بما نزل مِن قولِ اللَّه: نحن فَعَلنا، ونحن قضينا، نزلت هذه الآيةُ، ووجهُ ذلك: أنَّ الآياتِ المحكَماتِ: ما فيها مِن الآيات الدالَّةِ على وحدانيته تبارك وتعالى (١) ونفيِ الإلهيَّة عن غيره، وهي آياتٌ بيِّناتٌ غيرُ محتمِلةٍ (٢) للتأويل، والآياتُ التي فيها: نحن فعلنا، نحن قضينا، متشابهاتٌ يَشتبِه معناها على مَن جهِل وجوهَ خطابِ العرب، وقد أَخبر أنَّ المُحكَمات أصلٌ، ومن جهتها يَحصل العلمُ بالتوحيد وتأويلُ المتشابه.

وقال ابنُ عباسٍ رضي اللَّه تعالى عنهما: المحكماتُ: ناسخُه (٣)، وحلالُه وحرامُه، وحدودُه وفرائضُه، وما يؤمَن به ويُعمَل به، والمتشابهات: منسوخُه، ومقدَّمُه ومؤخَّره، وأقسامُه وأمثاله، وما يؤمَن به ولا يُعمل به (٤).

فأمَّا المؤمنون فيقولون: كلٌّ مِن عند اللَّه تعالى مُحكَمُه ومتشابهُه، وأمَّا الذين في قلوبهم زيغٌ مِن أهل الشرك فيَحملون المحكَمَ على المتشابه، والمتشابهَ على المحكَم، ويُلبِّسون فيه فيُلبِّسُ اللَّهُ عليهم.

وقال الكلبيُّ: المحكَماتُ: المبيَّناتُ بالحلال (٥) والحرام، ولم تُنسَخ، وهنَّ ثلات آياتٍ في سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١٥١] إلى آخر الآياتِ (٦)؛ هنَّ أصلُ الكتاب، أَنزلها اللَّهُ تعالى على محمَّد، وفيها مجمعُ


(١) في (أ): "وحدانية اللَّه تعالى".
(٢) في (أ) و (ف): "محتملات".
(٣) بعدها في هامش (ف): "وتبين" وعليها علامة التصحيح، لكن لا يظهر لها وجه.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٥/ ١٩٣).
(٥) في (ر): "المبينات الحلال".
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" (٥/ ١٩٣) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وأورده الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ١٠).