للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال القفَّال: شهادةُ اللَّهِ لنفسه إظهارُ وحدانيَّته، وقد أثبته (١) بما أَظهره في خَلْقه مِن أَمارات الحدوث الدَّالَّة على حاجتها إلى صانعها، وأنَّه لا شريكَ له ولا شبيهَ، وهو كقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: ١٧]، وهم لم (٢) يكونوا يشهدون لذلك بقولهم، بل يُنكرونه أشدَّ الإنكار، لكن لمَّا كانوا في حالٍ يتبيَّن بها كفرُهم جُعل ذلك شهادةً منهم (٣)، وشهادةُ الملائكة على هذا بما أبانت مِن الحُجج عند الرسل، وشهادة أولي العلم هي بما (٤) أبانوا للناس مِن دلائل التوحيد.

قال: ويحتمِل أنَّ قولَه: {وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} على الشهادة المعروفة التي تؤدَّى بالقول، وشهادة اللَّه لنفسه بما ذكرنا، ولفظُ الشهادة يجمعها معنًى وإنِ اختلفت الشهادات (٥) في أنفسها؛ كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٥٦]، والصلاة مِن اللَّه تعالى غيرُ الصلاة مِن الملائكةِ والبشرِ وإنْ كان يجمعُها لفظُ الصلاة.

وقيل: معنى {شَهِدَ اللَّهُ}؛ أي (٦): أَخبر اللَّهُ، وكذا شهادةُ الملائكة وأولي العلم، وتقييدُه بكلمة الشهادة تأكيدٌ للإخبار، وهو متعارَف في اللسان: أَشهد أنَّكَ كذا، وكذا شهادةُ المؤذِّن في الأذان، والمصلِّي في القَعْدة، والذي يُسلِم أولًا،


(١) "وقد أثبته" لم يرد في (أ).
(٢) في (ر) و (ف): "ولم "، بدل: "وهم لم".
(٣) "منهم" لم يرد في (أ).
(٤) في (أ): "ما".
(٥) في (ر) و (ف): "الشهادة".
(٦) "أي": من (أ).