للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أفناهم بقوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، ثم أحياهم بقوله تعالى: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (١).

ولمَّا قرأ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا الوعيدَ على بني نجران، قالوا: هذا الوعيدُ لا يكون لنا؛ فنحن أبناءُ اللَّهِ وأحباؤه، فبيَّن اللَّهُ تعالى أنَّ اللَّهَ تعالى لا يحبُّ إلَّا مَن يتَّبع حبيبَه، وهو قوله تعالى:

* * *

(٣١) - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}: الحبُّ والمحبَّةُ كالودِّ والمودَّة، وقد حبَّه وأحبَّه؛ أي: ودَّه، والثلاثي مِن باب: ضرب ودخل جميعًا.

وقال الكسائيُّ: الثلاثيُّ لغةٌ قد ماتت، وبقي الاستعمالُ لقولهم: أحَبَّ، ويُستعمل في المفعول: المحبوبُ (٢)، دون: المحَبِّ، وقد ذَكر عنترةُ في شعره:

ولقد نزلتِ فلا تظنِّي غيرَه... منِّي بمنزلة المحَبِّ المكرَمِ (٣)

وقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي} أثبت فيه الياء لأنَّه أصلٌ، ولم يثبت في: {وَاتَّقُونِ} {وَأَطِيعُونِ}؛ لأنَّه ختمُ آيةٍ يُنوى بها الوقف (٤).

يقول: قل يا محمَّد: إنْ كنتم تحبُّون اللَّهَ كما تزعمون، فإنَّ ذلك لا يتحقَّق لكم


(١) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٣٤).
(٢) في (ر) و (ف): "ويستعمل المحبوب في المفعول".
(٣) انظر: "ديوان عنترة" (ص: ١٦).
(٤) وهذا التعليل منقوض بقوله تعالى: {وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٩٧] حيث حذفت الياء مع أنه لا ينوى الوقف.