وقيل: آل عمران: موسى وهارون ابنا عمران، وهو غيرُ عمران والد مريم، كان هذا بعد ذاك بألفٍ وثمانِ مئةِ سنةٍ. والأوَّل أشبهُ بنظم الآية بما قَبلها وما بعدَها، وموسى وهارون دخلا في ذلك بذكر آل إبراهيم؛ لأنَّهما مِن ذُرِّيَّته.
وقوله تعالى:{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}: نصب {ذُرِّيَّةً} بإضمارِ: اصطفى، ثانيًا، أو على البدل، أو على القَطْع؛ لأنَّه نكرةٌ وما قَبله معرفةٌ، وهي فُعُّولةٌ مِن الذَّرْءِ، وهو الخلْق، وأصله: ذُرُّوْءَة، ثم لُيِّنت الهمزةُ فصارت ياءً، ثم جُعلت الواو التي قبلها ياءً ليتَّفقا، ثم كُسرت لأنَّ الياءَ أختُ الكسرة.
والذُّرِّيَّة: الوَلَد عند بعضهم، ومعنى الآية على هذا: أنَّ نوحًا صلوات اللَّه عليه مِن ذرِّيَّة آدمَ، وإبراهيمَ مِن ذرِّيَّة نوحٍ وآدم، وموسى وعمران مِن ذُرِّيَّة إبراهيم ونوح وآدم، ولا يكون آدمُ مِن ذُرِّيَّة أحدٍ، فيكونُ مخصوصًا منها.
وقال الكلبيُّ: أي: الأوَّل مِن الآخِر، والآخِر من الأوَّل؛ أي: الجنس واحد.
وقيل: آدم مِن ترابٍ، فرجع الكُلُّ إلى ذلك، وهو كقول القائل المُدْلجيِّ: أشهدُ أنَّ هذه الأقدامَ بعضها مِن بعض (١). أي: أسامةُ مِن زيدٍ، وزيدٌ مِن حارثة، وكان نظر إلى أقدامِ أسامةَ وزيدٍ لا غيرُ وقال ذلك، لكن تأويل ذلك ما قلنا، فكذا هذا.
ودلَّت الآيةُ على صحَّة أنكحةِ الكفَّار؛ حيث أثبت نسبَ بعضِهم مِن بعضٍ بها.