للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم اللَّطيفةُ في أنَّ هذه الوجوهَ التي بيَّنَّا إضمارَها لم تُظهَر، وبذِكْر تلك الكلمات لم تبدأ (١): أن تكون البدايةُ بسم اللَّه، فلا يكون افتتاحُ كلام (٢) القارئ بذِكْر فِعلِ نفسِه، بل بذِكْر اسمِ ربِّه كما بدأ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] لا كما قال موسى صلوات اللَّه عليه: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} [الشعراء: ٦٢]، فلا يُستفتحُ بأَحسنَ مِن اسم اللَّه (٣) كلامٌ، ولا يُستنجَح بأعظمَ مِن فضله مرامٌ، تبارك اللَّهُ ذو الجلال والإكرام.

وقيل: معناه: بقوَّة اسمِ اللَّهِ قدرتُ أنْ بَدَأتُ، وهو معنى (٤) قولِنا: لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ العليِّ العظيم.

وقال أبو بكرٍ الورَّاق: بَدَأَ اللَّهُ تعالى كتابَه بذِكْرين {بِسْمِ اللَّهِ}، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ} كأنَّه قال: الأشياء به وجودُها وله ملكُها.

ثم إنَّما طُوِّلت هذه الباءُ دون سائرِ الباءات؛ لوجوه ثلاثة:

أحدها: أنَّه عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بذلك فيما رُوي لنا بإسنادٍ عن مكحولٍ الشاميِّ قال: قال معاوية: كنتُ أكتبُ بين يدَي رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "يا معاويةُ، أَلِق الدواةَ، وحرِّف القلمَ، وانْصِبِ الباء، وفرِّقِ السينَ، ولا تُعوِّر الميمَ، وحسِّن اللَّهَ، ومدَّ الرَّحمنَ، وجوِّد الرحيمَ" (٥).


(١) في (ر): "نبدأ".
(٢) في (أ): "بكلام"، وليست في (ف).
(٣) في (أ): "من اسمه".
(٤) في (ف): "بمعنى".
(٥) رواه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص: ١٧٠)، والديلمي في "مسند الفردوس" (٥/ ٣٩٤)، ومكحول لم يسمع من معاوية، كما في "مراسيل ابن أبي حاتم" (ص: ١٦٦).
قوله: (ألِق الدَّواةَ) بفتح الهمزة وكسر اللام أمر من ألاقَ الدواة: إذا جعل لها لِيقةً وأصلح لها =