للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يحتمِل أن تكون الصغائرُ مغفورةً باجتناب الكبائر.

ويحتمِل أن تكون الصغائر مغفورةً بالحسنات، لأنه تعالى قال: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} وتكفير السيئات بالحسنات؛ قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤].

ويحتمِل أن يكون التكفير لهما وإنْ لم تُجتنب، ألا ترى أنه قال في آية أخرى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: ٢٧١] رفعًا بالاستئناف، وقال تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: ٨] يعني: لم يَصِلْ بالفاء فكان في حكم الابتداء، ألَا ترى إلى ما روى أنس عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه (١) قال: "شفاعتي نائلةٌ لأهل الكبائر من أمَّتي" (٢).

ورُوي عن علي رضي اللَّه عنه أنه سمع امرأة تدعو: اللهمَّ اجعلني من أهل شفاعةِ محمد، فقال: مَهْ، قولي: اللهم اجعلني من الفائزين، فإن شفاعة محمد لأهل الكبائر، ثم قرأ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية.

ثم إنَّ اللَّه تعالى ذكر تكفير السيئات إذا اجتُنبت (٣) الكبائر، ولم يذكر الحكم إذا لم يجتنبها، فليس فيه أنه إذا لم تُجتنَب لم (٤) يكفِّر، فهو في مشيئة اللَّه تعالى إن شاء كفَّره (٥) وإن شاء عذَّبه، على ما ذكرنا: أن وجوب الحكم في حالٍ لا يوجِب خلاف ذلك الحكم في حالٍ أخرى حظرًا كان أو حلًّا.


(١) "أنه" ليس في (أ).
(٢) رواه أبو داود (٤٧٣٩)، والترمذي (٢٤٣٥)، من حديث أنس رضي اللَّه عنه دون كلمة: "نائلة". قال الترمذي: حسن صحيح غريب.
(٣) في (أ): "إن اجتنب" بدل: "إذا اجتنبت".
(٤) في (أ): "لا".
(٥) أي: كفَّر الذنب.