للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المسجدِ حتى تَعلم سورةً ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآنِ مثلُها قال أُبَيٌّ: فجعلتُ أُبطئ في المشي رجاءَ ذلك، ثم قلتُ: يا رسولَ اللَّه! السورةَ التي (١) وعَدْتني، قال: "كيف تقرأ إذا افتتحتَ الصَّلاةَ فقرأتُ عليه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هي هذه السورة؛ وهي السَّبعُ المثاني والقرآنُ العظيم الذي أُعطيتُ" (٢).

ورُوي: أنَّ عيرًا قَدمت مِن الشام لأَبي جهلٍ بمالٍ عظيمٍ، وهي سَبْع فرقٍ، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه يَنظرون إليها، وأكثرُ الصحابة بهم جوعٌ وعريٌ، فخطر ببالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شيءٌ لحاجة أصحابه (٣)، فنزلَ قولُه تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}؛ أي: مكانَ سبعِ قوافلَ لأبي جهلٍ، {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ}؛ أي: هذا أبو جهلٍ لا يَنظرُ إلى ما أعطيناكَ مع جلالةِ هذه العطيَّةِ، فلمَ تَنظر إلى ما أَعطيناه (٤) وهو متاعُ الدنيا الدنيَّة؟ وعَلِمَ اللَّهُ تعالى أنَّ تمنّيَه لم يكن لنفسِه بل لأصحابه، فقال: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} وأَمَره بما يزيدُ نفعُه على نفعِ المال، فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: ٨٧ - ٨٨]، فإنَّ تواضعَك أطيبُ لقلوبهم مِن ظَفَرهم بمحبوبِهم.

وأمَّا سورةُ الحمد: فلأنَّها (٥) افتُتحت بالحمد، وفيها أمرٌ بالحمد، وتعليمُ كيفيَّةِ


(١) في (ر): "الذي"، بدل: "السورة التي".
(٢) رواه بهذا اللفظ مالك في "الموطأ" (١/ ٨٣)، وهذه القصة شبيهة بقصة أبي سعيد بن المعلى عند البخاري (٤٤٧٤)، وانظر ما جاء في الجمع بينهما في "فتح الباري" (٨/ ١٥٧).
(٣) في (ر): "لأصحابه"، بدل: "لحاجة أصحابه".
(٤) في (ف) و (أ): "أعطيته".
(٥) بعدها في (أ): "لما".