(١٦) - {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وقوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}؛ أي: يُرشِد اللَّهُ بالقرآن مَن كان همُّه اتِّباعَ مرضاةِ اللَّهِ بطلب الحقِّ، لا التَّعصُّبِ لدينِ آبائه، إلى طرقِ السَّلامةِ من مكاره الدَّارين.
و {السَّلَامِ}: السَّلامة.
وقيل: {السَّلَامِ} هاهنا اسمُ اللَّه تعالى، كما في قوله: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر: ٢٣]؛ أي: إلى طريق اللَّه، وهو دينُ اللَّه.
وقيل: {السَّلَامُ} سمُ الجنَّة، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: ٢٥]؛ أي: إلى الطَّريق الذي يُفضي بسالكِهِ إلى الجنَّة.
وقيل: {يَهْدِي بِهِ} يَرجعُ إلى محمَّدٍ والقرآن؛ لأنَّهما ذُكِرا قبلَه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}، وكلُّ واحدٍ منهما يقعُ به الهدايةُ بالدِّلالة، وإنَّما وحَّدَ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُساوي الآخرَ في الهداية.
وإنَّما قال: {سُبُلَ السَّلَامِ} جمعًا، ودينُ الإسلامِ طريقٌ واحدٌ، ولذلك قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: ١٥٣]؛ لأنَّ أصلَ الدِّينِ واحدٌ، ولكنَّ طرقَ الطَّاعات مُتَفَنِّنةٌ، وكلُّ طريقٍ يُفضي بسالكِه (١) إلى الجنَّة بوعدِ اللَّه على تلك الطَّاعة، ولأنَّ سالكيه متعدِّدون، فجَمعَهُ لاجتماع السَّالكين، كما قال: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: ٤٧] والميزانُ واحدٌ، لكنَّ الموزوناتِ متعدِّدةٌ، فجمعَ {الْمَوَازِينَ} لتعدُّدِ الموزونات.
(١) في (ف): "بصاحبه".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute