للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رأيتَ شُحًّا مطاعًا، وهوًى متَّبعًا، ودنيا مؤثرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ برأيِه، فعليكَ نفسُك، ودعْ أمرَ العوامِّ، فإنَّ مِن ورائِكم أيَّامًا الصَّبرُ فيهنَّ كمثل قبضٍ على الجمر، للعاملِ فيه مثلُ أجرِ خمسين رجلًا يَعملون مثل عمله قالوا: يا رسولَ اللَّه، أجرُ خمسين مِنهم؟ قال: "بل أجرُ خمسينَ مِنكم" (١).

وقيل: هذه الآيةُ تتَّصِلُ بما قبلها؛ أي: إذا دعَوتُموهم إلى حكمِ اللَّهِ، فلم يُجيبوا، وقلَّدوا آباءَهم، لم يضرَّكم ذلك إذا اهتديتُم أنتم.

وقال الكلبيُّ: إنَّ المنذر بن ساوَى -وقيل (٢): المنذر بن عمرو التميميّ (٣) - كتبَ مِن هجرَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّ اليهودَ والنَّصارى والمجوسَ قَبِلوا الجزيةَ، فرضيَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، فطعنَ في ذلك المنافقون وقالوا: عجبًا مِن محمَّدٍ، يَزعُمُ أنَّ اللَّهَ بعثَهُ ليُقاتِلَ النَّاس حتَّى يقولوا (٤): لا إله إلا اللَّه، وزعمَ أنَّه رُخِّص له في أنْ يُقاتِلَهم حتَّى يُعطوا الجزيةَ، فلا نرى محمَّدًا إلَّا وقد قبِلَ مِن مشركي هجر ما ردَّ على إخوانِنا مِن العرب، فأنزل اللَّهُ تعالى: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (٥) دعوتم إلى الإسلام فقد أبلغتُم وأعذَرْتُم (٦).

وقوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} فيَجزي مَن ضلَّ ومَن اهْتدى؛ كلًّا على وفقِ حاله.


(١) رواه الترمذي (٣٠٥٨)، وابن ماجه (٤٠١٤).
(٢) بعدها في (أ): "أن".
(٣) في (ر): "الليثي"، وفي (ف): "اليمني".
(٤) في (ف): "يشهدوا أن".
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ١١٧ - ١١٨)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص: ٢٠٦) عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهو إسناد تالف.
(٦) في (ف): "عذرتم وأنذرتم" بدل: "أبلغتم وأعذرتم".