للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَعرفون به أنَّه لم يَخلقهُم عَبَثًا، ولا يَترُكُهم سدًا، لكنَّ سنَّتَهُ في الأوَّلين قد مضَت أنَّه لا يُهلِكُهم إلَّا بعد الوعيدِ؛ فضلًا منه ورحمةً، لا أنَّه لا يَسعُـ [ه] ذلك (١).

* * *

(١٣٢) - {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.

وقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}؛ أي: ولكلِّ عاملٍ بطاعةٍ أو معصيةٍ {دَرَجَاتٌ}؛ أي: مراتبُ في الجزاء.

قال الكلبي: أي: بعضُهم أشدُّ عذابًا مِن بعض، وكذلك في الفضائلِ بعضُهم أعلى درجةً مِن بعض، على قدرِ أعمالِهم في الدُّنيا.

وقال القشيريُّ رحمه اللَّه: المحسنُ في روحِ الثَّوابِ متنعِّمٌ، والمجرمُ (٢) في نوحِ العقابِ متألِّمٌ (٣).

وتَعلَّقَ أبو يوسف ومحمَّدٌ رحمهما اللَّه بظاهرِه؛ في أنَّ الجِنَّ لهم ثوابٌ؛ فإنَّه قدَّمَ ذكرَ الجنِّ والإنس، ثم قال: {وَلِكُلٍّ}؛ أي: مِن الفريقين.

وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه: الكلامُ في أكثرِ هذه الآيات، وكذلك في الآية التي قبل هذه الآيةِ، في مشركي الإنسِ ومؤمنِيهِم، فالظَّاهرُ أنَّه فيهم، والأصلُ أنَّ الثَّوابَ لا يُستحَقُّ بالعمل، بل هو محضُ فضلِ اللَّه تعالى، فلا نَشهدُ به إلَّا لِمَن سبقَ له الوعدُ به، ولا نَتيقَّنُ بذلك في حقِّ الجنِّ.

وقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} قرأ ابنُ عامرٍ بتاء المخاطبة؛ ردًّا


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٢٦١)، وما بين حاصرتين منه.
(٢) في (ر): "والمسيء".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٥٠٤).