وعن الحسن: أن موسى عليه السلام لمَّا اعتزل في عسكر قومه أرسل إلى فرعون أنِ اضربْ بيني وبينك أجلًا، فأرسل إليه فرعون: ما هذا الأمرُ مما أفرغُ منه في يومٍ أو يومين، فأوحى اللَّه إليه: أنْ أَنْظِره واضربْ بينك وبينه أجلًا للحجة فإنه ليس يُعجزني، فضرب أجلًا أربعين يومًا، فجعل فرعون يجمع الجموعَ ليقاتله، فكلما أراد وجهًا في مكيدة خذله ربُّه وشتَّت أمره، فلما انقفصت الأربعون ولم يصنع فرعون شيئًا تابَع اللَّه عزَّ وجلَّ الآيات فأخذهم بالسنينَ ونقصٍ من الثمرات، فاحتَبس عنهم القطر وأَجدَبت أرضُهم وهلكت مواشيهِم وأنعامُهم.
وقوله تعالى:{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ}: أي: النعمةُ والخِصب والسَّعة والعافية {قَالُوا لَنَا هَذِهِ}؛ أي: هذه التي نستحقُّها وقد تعوَّدْناها ولم تزل كانت لنا، ولم يروا ذلك من اللَّه عز وجل ولم يشكروا له عليه.
وقوله تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}: أي: جَدْبٌ وضِيقٌ وبَليَّةٌ ومرض {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} قال الحسن ومجاهد وابن زيد: أي: يتشاءموا بهم (١).
وكانت العرب تزجرُ الطيرَ فتتشاءم بالبارح وهو الذي يأتي من جهة الشمال، وتتبرَّك بالسانح وهو الذي يأتي من جهة اليمين، فسمِّي تطيُّرًا لأنه زجرٌ بالطير.
وقوله تعالى:{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}: أي: اللَّه هو الذي يأتي بالخير والشرِّ والنَّفع والضُّرّ، {عِنْدَ اللَّهِ} بمعنى: من عند اللَّه لا من جهةِ موسى ومَن معه.
(١) رواه عن مجاهد وابن زيد الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٣٧٦)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٥٤٣).