للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}: قيل: فعَل ذلك ليناجيَه وليسأله عن السبب الذي وقعوا في ذلك لأجله، وعن الذي منعه عن زجرهم وقتالهم عليه، فتصوَّر عند هارون أنه لغضبه ومؤاخَذته عليه يأخذ لحيته ورأسه يعاقبُه به، فلذلك قال: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} فيتوهَّمَ القوم أنك عاقَبْتني من غير ذنبٍ كان لي فاسمع عذري (١).

وقيل: إنما فعل ذلك لا تغضُّبًا عليه متعنِّفًا، بل كما يفعله المتوجِّع للمصيبة بالحادث على قومه كما هو عادةُ أهل المصيبة، فإن كثيرًا من الناس يتعلَّق الواحد منهم عند المصيبة برقبةِ مَن يَحلُّ منه محلَّ المصاب، ويجعلُ الآخرُ يده في رقبته أيضًا (٢).

قال الإمام أبو منصور -رحمه اللَّه-: ذكَر في هذه السورة: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ}، وفي سورة طه دليلٌ على أنه أخذ برأسه ولحيته جميعًا؛ لشدة غضبه للَّه تعالى على صنيع (٣) قومه.

قال: وفيه دليل أنه أخذ شعرَ رأسه؛ لأنَّه قال: {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}، ولو أَخذ عينَ رأسه لم يَحتجْ إلى جرِّه، ودلَّ ذلك على أن مَن مسح رأسَه فوق الشعر ثم زال شعرُه لم


(١) كذا ذكر المؤلف هذا القيل، وكأن قائله لم يقرأ الآية، فإن الذي ذكر الأخذ بالرأس والجرَّ هو اللَّه سبحانه لا هارون عليه السلام، وهل يقال فيمن أراد أن يناجي آخر ويسأله عن أمر: إنه أخذ برأسه يجره إليه؟ وقول هارون: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} إنما هو تأكيد للأخذ بالرأس مع بيان الأخذ اللحية كذلك، ولعله اكتفى بذكر الرأس هنا لأن اللحية منه.
(٢) في (أ): "رقبته في يده" بدل: "يده في رقبته أيضًا". وليس هذا القيل بأحسن من سابقه، فإننا لو سلمنا ما ذكر من أنه عند المصيبة يأخذ كل واحد برقبة الآخر، فإن الأخذ هنا بالرأس لا بالرقبة، ثم أين يذهب صاحب هذا القيل بقوله: {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}؟ فهل يحدث مثل ذلك أيضًا عند المصيبة، بأن يأخذ كل واحد برأس من يشاركه في المصيبة ويجره إليه؟!
(٣) في (أ): "صنع"، وفي (ف): "ما صنع".