للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}: بغير همزٍ من النَّبْوة وهي الرِّفعةُ، وبالهمز من النبأ وهو الخبر، ومعناه: المخبِر عن اللَّه تعالى. والأميُّ فيه أقاويلُ:

قيل: هو العربيُّ؛ لأن الأميين هم العرب.

وقيل: لأنه كان لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسُب، قال اللَّه تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨]، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنا أمَّةٌ أميةٌ لا نكتبُ ولا نحسُب" (١)، وكأنه نُسب إلى الأم؛ لأن النساء لا يَكتبن، أو لأن الولد يُولد من أمِّه غيرَ كاتب ولا قارئ ولا حاسبٍ إلى أن يتعلم.

وقيل: منسوبٌ إلى الأمَّة؛ أي: هو رأسُ الأمَّة، والهاء تسقط في النسبة كما في المكيِّ والمدنيِّ.

وقيل: لأنه كان من أمِّ القرى وهي مكة.

وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: أظهر اللَّه تعالى أنه لم يكن شيءٌ من فضائله وكمالِ عِلمه (٢) من قِبَل نفسه وتعلُّمِه وتكلُّفِه واجتهاده وتصرُّفه، بل من اللَّه تعالى، فإنه كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب (٣).

وقوله تعالى: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}: قد روَينا في قوله: {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ} حديثَ ذكرِ رسولنا وأمته، وكذلك في الإنجيل.

وقال الكلبي: ولمَّا نزل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} قال أهل الكتاب: نحن المتَّقون وأهلُ الكتاب الأول والعلمِ القديم، فلما نزل:


(١) رواه البخاري (١٩١٣)، ومسلم (١٠٨٠/ ١٥)، من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
(٢) في (أ): "عقله".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٧٧).