للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والبداية بالوحدان والختمُ بالجمع؛ لِمَا مرَّ: أن (مَن) لفظه واحدٌ وأريد به الجنسُ، فصلح لذا وذا، يقول: مَن علِم اللَّه منه اختيارَ الضلالة أضلَّه، ومَن أضلَّه لم يهتدِ بالنظر والتفكُّر.

* * *

(١٨٧) - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}: أي: متى ثبوتُها وقيامُها؟ وقد رسا يرسو رَسْوًا؛ أي: ثَبَت.

وقيل: هو استقرارُ الشيء الثقيل، ومنه: الجبال الراسيات، وأرساه غيرُه إرساءً ومُرْسًى؛ كقوله: إدخالًا ومُدْخلًا، وحقيقتُه: متى إثباتُها وتقديرُها؟

وكان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعوهم إلى الإيمان والطاعة، وينهاهم عن الكفر والمعصية، ويحذِّرُهم قيامَ الساعة، فقالوا: متى هي؟

قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}: أي: لا يكشفها ولا يُظهرها إلا هو، فهو الذي يُقيمها وعنده عِلمُها.

وقوله تعالى: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: أي: خَفِيَ علمُها على كلِّ أهل السماوات والأرض، وكلُّ ما خفيَ علمه ثقُل على الفؤاد، رُوي معناه عن السدِّي وغيره (١).

وقيل: ثقُل مجيئُها على السماوات والأرض؛ لِمَا يَرِدُ على السماء بقيامها من الانشقاق وانتشارِ النجومِ وسقوطِ الشمس والقمر، وعلى الأرض من ذهاب بحارها


(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ٣١٣)، ورواه بنحوه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٦٠٨)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦٢٧).