للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}: يتوهَّمون أنه موجودٌ علمُها عند غيرِ اللَّه، قطَع اللَّه أطماعَهم عن معرفتها بخبرٍ من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وإنما أعاد قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} بعدما قال: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}؛ لأن ختم الآية بأن الناس لا يعلمونه فقدَّم عليه إثباتَ علمه، ولأن الأول علمُ وقتِها والثاني علمُ كُنْهها.

وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: كانوا يعاودون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا السؤال إلى أن نزل قوله تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} فكفُّوا (١).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: إنْ كان هذا السؤال عن المكذِّبين لها فهو سؤالُ استهزاءٍ، وإن كان عن المصدِّقين فهو سؤالُ استعلامٍ وإشفاقٍ ليتأهَّبوا لها، فإنهم لمَّا سمعوه يقرأ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١]، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: ١] ويقول: "بعثتُ أنا والساعةُ كهاتين" (٢) و: "كادت الساعة تَسبقُني" (٣) حملهم الخوف على هذا السؤال ليعلموا فيستعدوا.

وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}؛ أي: أنها كائنة، أو: لا يعلمون أنك لا تعلم متى تكون، أو: لا يعلمون ما لهم وما عليهم فيها (٤).


(١) لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن راهويه في "مسنده" (٧٧٧)، والبزار في "مسنده" (٢٢٧٩ - كشف الأستار)، والطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٩٩)، والحاكم في "المستدرك" (٧) و (٣٨٩٥) وصححه، عن عائشة رضي اللَّه عنها: قالت: لم يزل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأل عن الساعة، حتى أنزل اللَّه عزِّ وجل: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا}. قلت: وعلى هذا يكون السائل هو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدليل ما جاء في بعض الروايات في آخره: (قال: فانتهى).
(٢) رواه البخاري (٦٥٠٤)، ومسلم (٢٩٥١)، من حديث أنس رضي اللَّه عنه.
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢٢٩٤٧) من حديث بريدة رضي اللَّه عنه.
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ١٠٦ و ١٠٨).