قال: وسنَّةُ اللَّه تعالى مع أهل العرفان ترديدُهم بين كشف جلاله وبين لطف جماله، فإذا كاشفَهم بجلاله وجِلت قلوبهم، وإذا لاطفهم بنعت جماله سكنت قلوبهم، قال تعالى:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: ٢٨].
قال: وقيل: وجلت قلوبهم لخوف فراقه، ثم تطمئنُّ أسرارهم بروح وصاله، فذكرُ الفراق يُفنيهم، وذكر الوصال يحييهم (١).
وقال السدِّي:{وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} عند ذكر الوعيد، وتطمئن قلوبهم بالوعد، وهو كقوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}؛ أي: بالوعيد، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ}[الزمر: ٢٣]؛ أي: بالوعد.
قوله تعالى:{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}: أي: يُجْرون الصلاة على الاستقامة اللازمة فيها ويديمونها في أوقاتها.
{وَمِمَّا}(من) للتبعيض؛ لأن الرزق منه حلالٌ وحرام، والممدوح هو الإنفاق من الحلال؛ أي: ينفقون الحلال من رزقهم في أداء الزكوات ونوافل الصَّدَقات، وفي مصالح الجهاد وسائر الطاعات.
ويحتمل: رزقناهم من سائر النعم من الأموال.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآيةَ، ليس ذكرُ هذه الصفات لشرط ثبوت الإيمان بإجماع الأمة أن مَن آمَن عن اعتقادٍ وإقرار على الصحة ثم مات من ساعته قبل أن يوجد منه شيءٌ من هذه الصفات فهو مؤمن، ولكن يحتمِل ثلاثة أوجهٍ صحيحة: