للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}: أي: وإنَّ اللَّه سميعٌ عليمٌ بما قالوا وأضمَروا فأراك يا محمد في نومك قلةَ عدد المشركين.

ويحتمِلُ أنه رأى في منامه ما كان تأويلُه ضَعْفَ أمر العدو (١)، كأنه رآهم قليلَ العدد، وتأويلُه ضعفُ أمرهم، ورؤيا الأنبياء وحي، فأَخبر أصحابه به، وقد قال: "إني أُريتُ مصارعَ القوم غدًا" (٢) فقَوِيتْ نفوسُهم، وكانوا يخافون ويتحدثون بقلةِ عددِ أنفسهم وكثرةِ عددِهم، فأراه اللَّه تعالى ذلك، ولا يكون هذا إراءةَ الشيء على غير (٣) ما هو به؛ لأن الرؤيا تخييلٌ وتنبيهٌ على شيء بتمثيل (٤)، وقد صوَّرنا نوعَ تأويل.

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ}: أي: ولو رأيتَ في منامك ما يكونُ تأويله قوةَ أمرهم ثم أَخبرتَ أصحابك بذلك لفشلوا؛ أي: جبُنوا وانصرفوا.

وقوله تعالى: {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ}: أي: ولاختلفْتُم فلم تتَّفقوا على قتالهم {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ}: أي: من الفشل والتنازُع بما أراك.

وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}: أي: بسرائر القلوب؛ أي: فعَل ذلك لِمَا علِم من حُسن نيَّاتكم (٥).

* * *


(١) في (ف) و (أ): "العدد".
(٢) رواه بنحوه مسلم (٢٨٧٣) من حديث أنس عن عمر رضي اللَّه عنه أنه قال: إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان يُرينا مَصارعَ أهلِ بدرٍ بالأمسِ، يقولُ: "هذا مَصْرَعُ فلانٍ غدًا، إنْ شاءَ اللَّهُ"، قال: فقال عمر: فوالذي بَعَثَه بالحقِّ ما أَخطَؤوا الحُدودَ التي حَدَّ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد تقدم عند تفسير قوله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}.
(٣) "غير" ليست في (ف).
(٤) في (ر): "يتمثل".
(٥) في (أ): "من جبن ينالكم".