للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتقديره: إن يَحضر منكم القتالَ عشرون، وقوله: {صَابِرُونَ} نعتٌ للعشرين، وهو خبر بمعنى الأمر؛ أي: ليَثبُتِ العشرون للمئتين ولا يُولُّوا، فأمر بمقاومة الواحد العشرةَ، وكان هذا في الابتداء.

وقوله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}: هو كذلك؛ قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: كتب عليهم ألا يَفِرَّ الواحد من العشرة ثم خفِّف (١) عنهم وأُمروا ألا يَفِرَّ الواحد من الاثنين (٢)، وطريق إثبات الأمرِ بهذا الخبر: أن ظاهره: إنْ يصبر العشرون يَغلبوا مئتين، وتقديره: فاصبروا تَغْلِبوا.

وقوله تعالى: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}: الفقه: هو إخراج ما لم يُذكر مما ذُكر، يعني: أن الكفار إنما يقاتلون على الدنيا لا علم لهم بما وعد اللَّه عليه إذا كان على الحق من الجزاء والعطاء، وأنتم أيها المؤمنون تفقهون وقد سمعتُم أَثنية المجاهدين وأجزيَة المقاتلين، فهذا يشجعكم ويثبِّتكم ويصبِّر قليلَكم على قتال كثير المشركين.

وقال محمد ابن إسحاق رحمه اللَّه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}؛ أي: لا يقاتلون على (٣) بيِّنةٍ وحقٍّ، ولا معرفةٍ لخيرٍ ولا شرٍّ (٤).

وقال مقاتل بن حيان: لما نزل {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "مَن قتل قتيلًا فله كذا ومَن أسر أسيرًا فله كذا"، وبعث حمزة في ثلاثين راكبًا، فلقي أبا جهل لعنه اللَّه في ثلاثِ مئة راكب، ونزلت هذه الآية، ولما كان يوم بدر خفَّف اللَّه عنهم (٥). فذلك قوله تعالى:


(١) في (ف) و (أ): "خففت".
(٢) رواه البخاري (٤٦٥٣).
(٣) في (ف): "عن".
(٤) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٧٥).
(٥) انظر: "البسيط" (١٠/ ٢٤٤) وعزاه للمفسرين، و"الكشاف" (٢/ ٢٣٥) وعزاه لابن جريج. وانظر =