للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: يريدُ أنَّهم يُصبِحونَ في النِّعم يجرُّون أذيالَهم، ثمُّ يمسُون يشكون بلبالهم (١)، وقد يبيتون والبهجةُ ملكَتْهم، ثمَّ يصبحون وخفايا التَّقدي أهلكَتْهم، وقد قيل في معناه (٢):

أقمْنا زمانًا والعيونُ قريرةٌ... ومِنْ بعدُ عُدْنا والعيونُ سَوافِكُ (٣)

فإذا رجعوا إلى اللَّهِ بإخلاصِ الدُّعاء جادَ عليهم بكشْفِ البَلاءِ، فلمَّا أنجاهم بإجابة دعائهم إذا هم في بغيهم يرجعون، وعلى مناهجِهم في تمرُّدهم يسلكون (٤).

وقال: إنَّما بغيُكم على أنفسِكم؛ أي: تمتُّعكم في أيَّام قلائل، ثمَّ تلقون في ذلك وبيلًا، وتقاسُون بذلك عذابًا طويلًا.

* * *

(٢٤) - {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ}: ثمَّ بيَّنَ متاعَ الحياة


(١) في (أ): "بشكوى بلبالهم"، وفي (ف): "بسكون بلبالهم"، وفي مطبوع "اللطائف": "يشكون لياليهم"، والبَلْبَال: الهمُّ. انظر: "الصحاح" للجوهري (مادة: بلل).
(٢) "وقد قيل في معناه" من (ف)، وفي (أ): "شعر"، وليست في (ر)، وفي "لطائف الإشارات": "وأنشدوا".
(٣) البيت نسب للقشيري نفسه صاحب "اللطائف"، كما في: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (٣/ ٢٠٧)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٨/ ٢٣٢)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (١٩/ ٦٤).
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٨٧ - ٨٨).