للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١١٨ - ١١٩) - {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.

وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}: أي: متَّفقةً على الإيمان والطَّاعات؛ كما قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: ٣٥].

وقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}: أي: ولكن شاءَ أن يكونوا مختلفِينَ لَمَّا علِمَ منهم اختيارَ ذلك، فلا يزالونَ مختلفينَ هكذا كما شاءَ، إلَّا مَن رحمَ اللَّهُ فعصمَه عن الاختلاف لمَّا علمَ منه اختيارَ الحقِّ، ووفَّقه للنَّظر والاستدلال فأدرك الحقَّ.

{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}: أي: لِمَا هم عليه مِنَ الاختلاف.

وقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}: أي: مضى (١) قولُ ربِّك فيهم بما علمَ منهم، وهو كقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: ١٣].

وقال عكرمة ومجاهد: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} يعني: أهلَ الأهواء {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} يعني: أهلَ السُّنَّة والجماعة (٢).

وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} يعني: اليهودَ والنصارى {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} وهم الحنيفيَّة، للرَّحمة خلقَهم (٣).


(١) "مضى" من (أ).
(٢) رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٦٣٣) عن مجاهد، وروى نحوه (١٢/ ٦٣٥) عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٦٣٢)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ٢٠٩٤).