للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حيث قصَّ قصَّةَ يوسف وغيرها على حسب ما يجدُها أهلُ الكتب في كتبِهم مِن غير زيادة ولا نقصان، مع معرفتِهم أنَّه لم يَختلفْ إلى أحدٍ يتعلَّمُ منه، ولا نظرَ في الكتب فتلقَّاه، فما هو إلَّا عن الوحي، ولا وحيَ إلَّا إلى الرُّسل.

وقال بعضُ المحقِّقين: ثمَّ العبرُ في هذه القصَّة ما حُمِّلَ يوسف على صغره من المحنِ مِن جهة إخوتِه: مِن الطَّرْحِ في البئر، والبيعِ بالثَّمن البَخْس، وما ابْتُلِيَ به مِن الاسترقاق والحبس الطَّويل مِن غير جُرْمٍ ولا استحقاق، فالعبرةُ به أنَّ اللَّهَ يفعلُ ما يشاءُ، لا اعتراضَ لأحدٍ عليه.

ثمَّ صبرُ يوسفَ على هذه المحنِ كلِّها إلى أنْ خُتِمَ له بالملك والعلوِّ دليلٌ على أنَّه لا يخسر أحدٌ على الصَّبر عند جريان المقادير عليه.

ثمَّ ما فيه من التَّنبيه على أنَّ مَن قدرَ على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجبِّ، وإعلائه بعد حبسه في السِّجن، وتمليكه مصر بعد أن كان لبعض أهلِها في حُكْمِ العبدِ، ثم جمعَ بينَه وبينَ أبوَيْه وإخوته على ما أحبَّ بعد المدَّة الطويلةِ = لقادرٌ أنْ يُعِزَّ محمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- ويُعلِي كلمتَه وينصرَه على مَن عاداه مِن قومه.

ثمَّ ما امتُحِنَ به أبوه من الوَجْد بفقدِه إلى أنْ ابيضَّتْ عيناه من البكاء عليه، إلى أنْ جمعَ اللَّهُ شملَه وردَّ عليه ابنَه سلوةٌ للمُمْتَحنين، وإطماعٌ لهم في تبديل الحالِ، وتعريض المحنةِ للزَّوال.

ثمَّ فيما جرى على يوسف من جهة إخوته الَّذين هم أولى النَّاس بالشَّفقة عليه والذَّب عنه ما ابْتُلي (١) رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في عداوة قومِه وأقاربه له.

ثمَّ فيما فعلَه يوسفُ في السِّجنِ مِن دعاءِ الفتَيَيْنِ إلى اللَّه تعالى، وإقامةِ الحجَّة


(١) في (أ): "ما يبلي".