وابْتُليَتْ به امرأةُ العزيز بليَّة العشق، فراوَدَتْهُ عن نفسِه فاستعصم بعصمةِ الحقّ، وبدا لهم حبسُه في السِّجن فطال ذلك، ثمَّ بعد بضع سنين زال ذلك، ثمَّ أفضى به علم التَّعبير إلى مُلكِ مصرَ والجلوسِ على السَّرير، ثم جاء إخوتُه مرَّات وامتاروا منه كرَّات، ثمَّ جمعَ اللَّهُ بينَ يعقوبَ ويوسف، وزال التَّأسِّي والتَّاسُّف، وجُمِعَ الشَّمل، وبسطَ يوسفُ على إخوتِه الفضل، فتنعَّموا أيَّامًا وشهورًا وأعوامًا، ثمَّ ماتوا وبانوا، وكأنَّهم ما كانوا، ولا بلاءُ يعقوبَ ولا بكاؤه، ولا إخوةٌ ولا جفاءٌ، ولا سجنٌ ولا سجَّانٌ، ولا عزيزٌ ولا ريَّانُ، ولا يوسفُ ولا أصحابٌ، ولا خَوَلٌ (١) ولا أحبابٌ، ولا مملكةٌ ولا أسبابٌ، ولا أمراءُ ولا حُجَّابٌ، وهذه عبرةٌ لأولي الألباب.
وقيل: هذه القصَّةُ مرآة كلِّ مؤمنٍ؛ كان ليوسفَ جمالُ الظَّاهر فنظرَتْ إليه زليخا، وللمؤمنِ جمالُ الباطنِ ينظرُ إليه المولى.
فأوقعَتْ زليخا يوسفَ في التُّهمةِ، وأوقعَ الشَّيطانُ المؤمنَ في المعصيةِ.
فنُقِلَ يوسفُ إلى السِّجنِ، والمؤمنُ إلى القبرِ، فسُئِلَ يوسفُ في السِّجنِ عن تأويل الرُّؤيا، وسُئِلَ المؤمنُ في القبر عن اللَّهِ وعن الرَّسولِ والهُدى.
فأجابَ يوسفُ على الصَّواب فأكرمَه الرَّيَّان، ويجيبُ المؤمنُ على الصَّواب فيكرمُه الدَّيَّانُ.