للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مقاتلٌ: يقولون ذلك في النَّار، فيقولون أوَّلًا: تعالوا نجزَع لعلَّنا نُرْحَم، فيجزعون خمس مئة سنة فلا ينفعُهم الجَزَعُ، فيقولون: تعالوا نصبر، فيصبرون خمس مئة سنة، فلا ينفعُهم الصَّبر، فيقولون: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: ٢١] (١).

وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمَه اللَّه: ويحتملُ أنَّهم يقولون ذلك حين يُقال لهم: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور: ١٦] (٢).

وقوله تعالى: {مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}؛ أي: مَنْجًى. وقيل: مَخْلَصٍ. وقيل: مِنْ نجاةٍ. وقيل: مِن فرارٍ. وقيل: مِن رَوَاغٍ (٣).

والمحيصُ في اللُّغة: المحيدُ، يُقال: حاصَ يحيْصُ حَيْصًا ومَحِيْصًا وحُيْوصًا وحَيَصانًا؛ أي حادَ، كما قالوا في الدُّنيا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: ١٣٦]، قيل لهم في النَّارِ: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٦]، وهم قومٌ صفتُهم: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٦]، و {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: ١٩٣].

* * *

(٢٢) - {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.


(١) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٤٠٣)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٣١٣).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٣٨٤).
(٣) في (ف) و (أ): "رواغ".