للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ}: أي: قلْ لهم: أقيموا الصَّلاة، فيقيموا الصَّلاة، فهذا الظَّاهر جُزِمَ بالجوابِ للأمرِ المحذوفِ الَّذي دلَّ عليه: {قُلْ}.

وقيل: هو بنفسِهِ أمرٌ بإضمارِ اللَّامِ فيه؛ أي: ليقيموا الصَّلاة، وجاز ذلك لدلالةِ ظاهرِ الكلامِ عليه، ويجوز مثلُه في الكلام: قلْ له: يضربْ زيدًا.

وهذا أمرٌ للمؤمنين بأن يخالفوا الذين بدَّلوا نعمةَ اللَّه كفرًا؛ أي: قل يا محمَّدُ للذين حقَّقوا عبوديَّتهم لي بالإيمان بي ومخالفةِ الَّذين أشركوا بي غيري: أقيموا لي (١) الصَّلاةَ بأبدانِكُم، وأنفقوا في إقامةِ ديني ومواساة عبيدي أموالَكم.

وقوله تعالى: {وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}: فِعْلَ المخلصِيْنَ دونَ المرائِيْنَ الذين ينفقون في العلانيةِ بمرآةٍ للنَّاس لا غيرَ.

وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ}: وهو يومُ القيامةِ، لا يجزي فيه تبايعٌ بينَ (٢) النَّاسِ فيشتريَ نفسَه مِن العذابِ بمالٍ يعطيه، ولا مصافاةٌ فيشفعَ خليلٌ لخليلِه فينجِيه؛ قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ١٢٣].

وقال الإمامُ القشيريُّ رحمة اللَّه عليه: أمرنا بالصَّلاةِ التي فيها المناجاةُ، وبإنفاقِ ما رزقَه اللَّه، وهو إنفاقُ اللِّسان على ذكرِه، والبدنِ على طاعتِه، والوقتِ على شكرِه، والقلبِ على عرفانِه، والرُّوحِ على حُبِّه، والسِّرِّ على مشاهدَتِه، ولا يكلِّفُ اللَّهُ نفسًا إلَّا وسعَها.


(١) "لي" من (ر).
(٢) "بين" من (أ).