للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الفرَّاءُ والكِسائيُّ: (رب) أصلُهُ (١) لِمَا مَضَى: رُبَّ مالٍ أنفقْتَه، وقد تُستَعْمَلُ في المستقبل على معنى التَّقريبِ له، كما أنَّ (إذ) موضوعةٌ للماضي، ثمَّ قد تُستعمَلُ في المنتظَرِ (٢) تقريبًا له، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} الآية [السجدة: ١٢]، {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ} [الأنفال: ٥٠]، {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا} [الأنعام: ٢٧]، وذلكَ لأنَّ ما أَوعدَ اللَّهُ تعالى به فهو قريبٌ آتٍ لا محالةَ، فجُعِلَ في معنَى ما وُجِدَ (٣).

* * *

(٣) - {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.

وقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ}: يتمتَّعوا: يتلذَّذوا، ويلهِهِمُ: يَشغَلْهم، وقد لَهِيَ يَلْهَى مِن حدِّ (علم)؛ أي: ذهلَ عن الشَّيءِ وشُغِلَ عنه، وألهاهُ غيرُه.

وهذا تهديدٌ للكفَّارِ، وتسليةٌ للنَّبيِّ عليه الصلاة والسلام؛ يقول: دعْهُم يا محمَّد يتقلَّبوا في الدُّنيا ويتمتَّعوا بها، ويشغلهم طولُ الأملِ عن التَّفكُّرِ في القرآن.

{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} إذا نزل بهم عذابُ الآخرة والسَّيفُ (٤) في الدُّنيا أنَّ ما كانوا فيه مِنَ الاشتغال في الدُّنيا بالاستمتاعِ بها لم يكنْ شيئًا، وأنَّه لا ينفعُ عندَ اللَّهِ إلَّا الإيمانُ والعملُ الصَّالح.

وقوله تعالى: {يَأْكُلُوا} جُزِمَ لأنَّه جوابُ الأمرِ، وكذا ما بعدَه.


(١) في (ف): "إن رب صلة" بدل: "رب أصله".
(٢) في (أ): "التنظر" وفي (ف): "الماضي".
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٨٢)، وذكره الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٧) عنهما.
(٤) في (ر): "والتعب".