للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لبسْتُ أناسًا فأفنيْتُهُمْ... وأفنيْتُ بعدَ أناسٍ أناسًا (١)

وعلى هذا قوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧].

وقيل: معنى اللِّباس في الجوع: أنَّه ظهر عليهم من الهزال وتغيُّر الَّلون وسوء الحال ما هو كاللِّباس، وفي حقِّ الخوف كذلك.

ويحتمل أن يكون اللِّباس هاهنا مصدرًا في معنى الملابسة؛ أي: أذاقَها اللَّه ملابسةَ الجوع والخوف.

* * *

(١١٣) - {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ} وهو مِن أجلِّ النِّعم؛ لأنَّهم قد عرفوا مَولِدَهُ ومنشأَه وهديَه وأمانتَه، فيكون أقربَ لهم إلى تصديقِه والاهتداءِ به، فلم يعرفوا حقَّ هذه النعمة {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} في الدُّنيا {وَهُمْ ظَالِمُونَ} أنفسَهم، جائرون عليها.

وقيل: في ضرب المثل بمكَّة عبرةٌ لغيرها من البلاد التي يسلكُ أهلُها طريقَهم في الكفر وتكذيب النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

يقول: لَمَّا تلقَّى أهلُ مكَّةَ نعمَ اللَّه تعالى بالكفر امتُحِنوا بالجوع والخوف، مع محلِّهم من المجاورة ببيت اللَّه وعمارة مسجده وغير ذلك، فغيرُهم ممَّن لا حرمةَ لهم كحرمة أهلِ مكَّة أولى بذلك.

* * *


(١) انظر: "ديوان النابغة" (ص: ٧٧)، و"الشعر والشعراء" لابن قتيبة (١/ ٧٥)، و"الأغاني" للأصفهاني (٥/ ١٠).