للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: أي: لكلِّ بشر؛ لأنَّهم عباد (١) اللَّه.

وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ}: ذكَر بعد إنزال القرآن إرسالَ الرسول {إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} لأنَّه بُعث داعيًا إلى اللَّه، ومرشدًا إلى دينه، ومنقذًا من الضلالة، ومنبِّهًا على ما فيه الفوزُ بالنعيم المقيم والنجاةُ من العذاب الأليم، وذلك رحمةٌ عامة للمؤمنين والكافرين، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: ١٠٥]، فالتبشير والإنذار رحمةٌ أجراها اللَّه تعالى على يديه.

وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: تمتِ الرحمة لمن آمن به في الدنيا والآخرة، ومَن لم يؤمنْ به عُوفي مما أصاب الأمم مِن قبلنا (٢).

وقال عكرمة: قيل: يا رسول اللَّه، ألا تلعنُ قريشًا بما أتوا إليك؟ فقال لهم (٣): "لم أُبعَثْ لعَّانًا إنما بعثتُ رحمةً للعالمين، يقول اللَّه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} " (٤).

وما أتى به من القتال للدعوة إلى الإسلام، ومن الحدود للزجر عن الآثام، فهو استصلاح لهم كاستصلاح الوالدين الولدَ بالمعالجات في الأسقام، بالكيِّ والجراح والحَجم لبعض الآلام، فكان تحقيقًا للرحمة والإنعام.

* * *


(١) في (أ): "عبيد".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٤٣٨).
(٣) "لهم" ليست في (ر).
(٤) رواه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" (٥/ ٦٨٨)، وله شاهد عند مسلم (٢٥٩٩) من حديث أبي هريرة قال: قيل: يا رسولَ اللَّه، ادْعُ على المشركين، قال: "إني لم أُبْعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثْتُ رحمةً".