للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكسرة للَّام؛ لأن دخولها وخروجها هاهنا سواءٌ (١)، وهو كما تقول: (ما قدم علينا أمير إلا إنه مُكْرِمٌ لي) بالكسر.

وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}: فتُؤْجَروا، أو لا تصبرون فتعاقَبوا؛ أي: محنةً؛ أي: الدنيا دارُ ابتلاء وامتحان، فلا بد من المخالفة بين أحوال أهلها، وإحواجِ بعضهم إلى بعضٍ، وتفضيل بعضهم على بعضٍ؛ ليشكر الفاضل ويَصبر المفضول، فمِن غنيٍّ وفقير، ورئيس ومرؤوس، ثم كلٌّ بشرٌ، فكذلك رسولٌ ومرسَلٌ إليه وكلٌّ بشرٌ، والرسول ممتحَنٌ بالشكر على ما أُوتي من الرتبة، وبالصبر على تحمُّل أعباء الرسالة، والمرسَل إليه ممتحَنٌ بالانقياد له والطاعةِ لأمره.

وقيل: معناه: امتحنَّا بعضكم ببعضٍ، فجعلتُ محمدًا نبيًّا وبعثتُه إليكم، ولم أعطه الدنيا، وجعلتُه يطلب المعاش في الأسواق، واختبرتُكم في إجابتكم إياه إلى ما دعاكم إليه بغيرِ عرَضٍ من الدنيا ترجونه منه؛ لأني لو أعطيتُه الدنيا لتَسارَعَ كثيرٌ منكم إلى اتِّباعه طمعًا في دنياه أن ينال منها.

وقال مقاتل: نزلت الآية في أبي جهل والوليدِ والعاصِ والنَّضْر بن الحارث، وذلك أنهم لمَّا رأوا أبا ذرٍّ وابنَ مسعود وعمارَ بن ياسر وبلالَ بن حمامةَ (٢)، وصُهيبَ بن سنانٍ، وعامر بن فُهيرة، والنَّمِرَ بن قاسطٍ، ومَهجَعًا مولى عمر، وخيرًا (٣) غلامَ


(١) يعني: لو لم تكنِ اللامُ لكسرت الهمزة أيضًا؛ لأنَّ الجملةَ حاليةٌ؛ إذ المعنى: إلا وهُم يأكلون. انظر: "معاني القرآن" للأخفش (١/ ١١٦)، و"معاني القرآن" للزجاج (٤/ ٦٢)، و"إعراب القرآن" للنحاس (٣/ ١٠٨)، و"الإملاء" للعكبري (٢/ ٩٨٣).
(٢) هو بلال بن رباح الصحابي الجليل، وحمامة اسم أمه.
(٣) في (أ): "وجبرًا". وكلاهما منقول في اسمه: (جبر) بالجيم والباء و (خير) بالخاء والياء. انظر: "الإصابة" (٢/ ٢٩٥).