للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال وهبٌ: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} أهلَ (١) شاءٍ ونَعَمٍ {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} غنمَهما عن الماء، فرقَّ لهما موسى حين نظر إليهما ورآهما ضعيفتين لا تصلان إلى الماء لكثرةِ مَن عليه من الناس، فـ {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يقدر على أن يليَ سقيَ ماشيته بنفسه لضعفه وكِبَر سنِّه -ويقال: إنه كان ضريرَ البصر- فنحن ننتظر الرعاء، فإذا فرغوا من سقي مواشيهم تقدَّمنا فسقينا مواشيَنا ثم انصرفنا إلى أبينا، فلمَّا سمع موسى مقالتهما رقَّ لهما فأخذ دلوهما ثم تقدَّم فزاحم القوم (٢) حتى أفرجوا له فرجة {فَسَقَى لَهُمَا} ماشيتَهما، وكان رجلًا قويًّا كأقوى الرجال، فلما فرغ من سقيهما {تَوَلَّى إِلَى} ظل شجرة {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وأمنيتُه يومَه (٣) شبعةٌ من طعام، وكان على رأس البئر صخرةٌ لا يزيلها أقلُّ من ثلاثين رجلًا، فرفعها وحده.

فانصرفتا إلى أبيهما في ساعةٍ لم تكونا تنصرفان إليه فيها، فسألهما فأخبرتاه الخبر، وكيف سقى لهما موسى، وكيف زاحم الرجال على الماء، فقال شعيب لصفوراء ابنته وهي إحداهما: انطلقي فأتي بهذا الرجل، فجاءته {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} فوجدته قاعدًا في الظل، فقالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} فقام موسى معها وقال لها: امشي أمامي وأنا خلفك إلى أهلك، فجاءت الريحُ فوصفته (٤) ثيابها وموسى منكِّس لا ينظر إليها،. . . . . .


(١) في (ف): "أي".
(٢) في (أ): "فزحم القوم"، وفي (ف): "فزاحم الناس".
(٣) في (ف): "قوته".
(٤) في (ر) و (ف): "فرفعت"، والمثبت من (أ)، والمعنى عليه: فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته. انظر: "الكشاف" (٣/ ٤٠٢).