للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}: قرأ أبو عمرو وابن كثير بياء المغايبة (١)؛ أي: بما يعمله جنود المشركين من البغي والسعي في إطفاء نور اللَّه تعالى وهو وعيد لهم.

وقيل: أي: بما يعمله (٢) جنود اللَّه؛ أي: بعلمه فعلوا (٣) ما فعلوا وكان أرسلَهم لذلك.

وقرأ الباقون بتاء المخاطبة؛ أي: لم يَخْفَ عليَّ أيها المؤمنون ما عمِلْتُم من التحصُّن والثبات على معاونة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو وعدٌ لهم.

قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: لمَّا كان يومُ الأحزاب انطلقت الجنوب إلى الشمال فقالت: انطلقي بنا ننصرِ اللَّهَ ورسوله، فقالت الشمال: إن الحُرَّة لا تسري بالليل، فأرسل اللَّه عليهم الصَّبا فذلك قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} (٤)، وهم ألفٌ من الملائكة كانوا يكبِّرون من ناحية العسكر، وكانت هذه الريح من كبار المعجزات؛ لأنَّه لم يكن بين العسكرين إلا قَدْرٌ يسيرٌ يرى بعضهم بعضًا، فأرسل اللَّه الريح على المشركين وهي باردةٌ شغلَتْهم بأنفسهم وقلعت أخبِيَتهم ونالهم بسببها ما لم يتهيَّأ لهم القرارُ، وكان النبيُّ والمؤمنون في عافيةٍ من ذلك.


(١) انظر: "السبعة" (ص: ٥١٩)، و"التيسير" (ص: ١٧٧)، عن أبي عمرو وحده.
(٢) في (ف): "يعلمه".
(٣) "فعلوا" ليس من (أ).
(٤) رواه البزار (١٨١١ - كشف الأستار)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٩/ ٣١١٧)، وأبو الشيخ في "العظمة" (٤/ ١٣٤٨)، وابن عدي في "الكامل" (٧/ ٣٦) من طريق عكرمة عن ابن عباس. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٦/ ٦٦): (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح). ورواه الطبري في "تفسيره" (١٨/ ٢٥) من قول عكرمة، وكذا ذكره القرطبي في "تفسيره" (١٧/ ٩٠) عن عكرمة لكن بلفظ: (إن محوة لا تسري. . .) ومحوة هي ريح الشمال، سميت بذلك لأنها تمحو السحاب وتذهب بها. انظر: "اللسان" (مادة: محا).