للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن عائشة رضي اللَّه عنها: أن الحارث بن هشام قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيف ينزل عليك الوحي؟ فقال: "كلُّ ذلك يأتيني الملك أحيانًا في صورة الرجل، فيقول لي فأعي ما يقول لي، ويأتيني أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فيَفْصِم عني وقد وَعَيْتُ ما قال، وهو أشدُّ عليَّ" (١).

* * *

(٢٤) - {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: أي: {قُلْ} لهؤلاء المشركين: {مَنْ يَرْزُقُكُمْ}: مَن يخلق لكم الأرزاقَ الكائنة في {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} من الأمطار وما يَصلح بالشمس والقمر والنجوم، وما في الأرض من الماء والنبات، ولا يقدرون أن يضيفوا شيئًا من ذلك إلى آلهتهم، فيسكتون لانقطاع الحجة.

{قُلْ} أنت: {اللَّهُ} يفعل (٢) ذلك {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}: فإنا لعلى هدًى بالإيمان باللَّه تعالى والإخلاصِ له، وأنتم في ضلالٍ مبين بإشراككم به غيرَه.

والجمع بين الكلامين تعريضٌ بتضليلهم وتخلُّصٌ (٣) إلى المقصود بكلام هو في غاية الحسن والإنصاف؛ كالرجل يريد تكذيبَ صاحبه فيقول: أحدنا كاذبٌ، فيكون هذا ألطفَ من أنْ يقول: أنت كاذب، وأوامرُ اللَّه تعالى في دعاء الكفار إلى الإسلام مبنيةٌ على الأرفق والأقرب إلى ما يُرجَى به ميلهم إلى الإسلام، ألا تراه


(١) رواه البخاري (٣٢١٥)، ومسلم (٢٣٣٣).
(٢) في (ف): "يقول".
(٣) في (ر): "وتخليص"، وفي (أ) تحتمل اللفظين.