للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٢٨) - {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}.

وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ}: وهو ابتداءٌ أيضًا، {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} على التذكير في قوله: {مُخْتَلِفٌ} وفي قوله: {أَلْوَانُهُ} لِمَا أن كلمة (مِن) للتبعيض، ويقتضي أن يكون تقديره: ما يختلف ألوانه، فانصرف إلى البعض أو إلى كلمة (ما) وهو واحد في اللفظ، وقال: {أَلْوَانُهُ} ولم يقل: لونه؛ للمعنى وهو جمع.

يقول: ومختلفٌ كذلك ألوانُ الناس والدوابِّ، وهو جمع دابة، وهي في الأصل اسمٌ لكلِّ ما يدبُّ على الأرض، وعند الإطلاق يقع (١) على الخيل والبغال والحمير عند ذكر الركوب، قال: {وَالْأَنْعَامِ} وهي الإبل والبقر والغنم، وقد تقع على الإبل خاصةً على كثرة أصنافها وأجناسها وأنواعها (٢)، ولا يجوز أن يكون كونُها بأنفسها واختلافُها بذواتها، بل بصانعٍ قديرٍ عالم مريدٍ خلَقَها كذلك، ومَن قدر على ذلك قدر على إحياء الموتى، ولا يكون من الحكمة أن يتركهم سدًى، بل ينهاهم ويأمرهم، وإذا خالفوه أو وافقوه فلا بدَّ من أن يجازيَهم على ذلك، وإذا لم يجازهم به في دار الدنيا فلا بد من دارٍ أخرى يجازيهِم بها فيها.

فمَن كان عالمًا بهذا كلِّه خشي اللَّه تعالى، وهو معنى قوله بعده:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}: وهؤلاء المشركون لا يخشون لجهلهم باللَّه؛ قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنا أعلمُكم باللَّه وأخشاكم للَّه" (٣).


(١) قوله: "وعند الإطلاق يقع" كذا في (ر) و (ف)، ولعل الصواب: (عند الإطلاق ويقع).
(٢) من قوله: "وعند الإطلاق. . . " إلى هنا ليس في (أ).
(٣) رواه البخاري (٢٠)، ومسلم (١١١٠) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها ولفظ البخاري: "إن =