{فَلَا يَحْزُنْكَ} يا محمد {قَوْلُهُمْ} فيك: إنك شاعر وساحر وكاهن وكاذب، وسائرُ وجوه الأذى بالقول.
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}: أي: إنَّا نعلم سرَّهم وعلانيَتهم، إضمارَهم وإظهارهم لك، وسنكافيهم على ذلك.
وقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ}: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: هو أبي بن خلف بن كَلَدة لعنه اللَّه، أتى النبيَّ بعظمٍ حائل ففتَّه بين أصبعيه في يومٍ شديدِ الريح على صَفَاةٍ، فجعل لا ينتهي إلى الصَّفَاة حتى تهبَّ به الريح، فقال: يا محمد، أتزعُم أن اللَّه يحيي هذا وهو رميم كما ترى؟ وهو البالي الذي لا شيء أشدُّ بِلًى منه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، ثم يُميتك ثم يبعثك ثم يدخلك نار جهنم"، فأنزل اللَّه هذه الآية:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ}(١): أولم يعلمْ هذا الكافر أنا خلقناه من نطفة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}: آل أمرُه إلى أن صار عاقلًا جَدِلًا مُحاجًّا في إحياء الموتى مُظهِرًا ذلك.
قوله تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا}: بيَّن لنا شبَهًا لأمر البعث {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}: نسي أمر خَلْقه كيف كان، وأنه لم يكن كما هو الآن، وإنما كان مَوَاتًا فأُحيي.
(١) رواه عبد الرزاق في "التفسير" (٢/ ١٤٦)، والطبري في "التفسير" (١٩/ ٤٨٦)، عن قتادة. وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" (٧/ ٤١): وعليه المفسرون. وفي رواية سعيد بن جبير عند الطبري (١٩/ ٤٨٧) أنه العاص بن وائل السهمي، وكذا رواه الحاكم في "المستدرك" (٣٦٠٦) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.