للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أرواح الأحياء وبين أرواح الموتى، يتعارفُ منها ما شاء اللَّه أنْ يتعارف، {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} إلى أجسادها (١).

قال: وبهذا لم يُفْهَمْ شيءٌ مِن تأويل الآية.

قال: وقال الكلبي: النائم مُتوفًّى حتى يرُدَّ اللَّه إليه نفْسَه، وأما التي يتوفاها حين موتها فإنه يقبِض الرُّوح والنَّفْس معًا، ويُرسل التي يتوفاها في منامها حتى تبلغ أجلَها المُسمَّى، وهو الموت.

ويقول: إنما يقبِض اللَّه مِن النائم النَّفْس لا الرُّوح.

قال: وهذا الذي ذكره الكلبي أقربُ إلى تأويل الآية مِن الذي ذكرَه سعيدٌ، وأصلُه: أنَّ اللَّه تعالى جعل في الأجساد أنفُسًا دَرَّاكةً بها تُدرِك الأجسادَ الأشياءَ، وأرواحًا بها تَحيا الأجساد؛ لأنك ترى الأجساد في حال نومها على الهيئة التي كانت مِن قَبْل، ليس بها أثَر الموت، لكنها لا تُدرِك شيئًا، فلا تَسمع، ولا تُبصر، ولا تَعقل شيئًا، وليس بها آثار الأحياء، فدلَّنا هذا على أنها في حال النوم قد ذهب منها وخرَجَ ما به تُدرَك الأشياء، وبقِيَ فيها ما به تَحيا، وهو الرُّوح، فإذا خرج الرُّوح منها ماتت، ألا تراها عند ذلك تتغيَّرُ؟! وكان قبل خروج الرُّوح منها وإنْ كانت لا تُدرِك شيئًا، فهي على الهيئة التي كانت مِن قَبْل، دلَّ ذلك على أنَّ الذي به تُدرَك الأشياء غيرُ الذي به تَحيا، واللَّه أعلم (٢).

* * *

(٤٣) - {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ}.


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٢١٥).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٨/ ٦٨٦ - ٦٨٧).