للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكان معنى: {وَاسْأَلْ}؛ أي: استَشْهِدْ، وتقديرُ الآية على هذا: واسألْ مَن أرسَلْنا إليهم مِن قبلك رسلًا مِن رسلنا، و {مَنْ أَرْسَلْنَا}: هم المُرْسَل إليهم، وهم أممُ المرسلين مِن أهل الكتاب كاليهود والنصارى، والصِّلَةُ محذوفةٌ؛ كما في قوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤]، و {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} [الشورى: ٢٣]، ونظيرُه قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤]، وقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: ٤٣].

وكان استشهادُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهؤلاء حُجَّةً على المشركين؛ لأنَّهم كانوا يرجِعون إليهم، ويعتمدون على قولهم، فإذا سألهم وقالوا: لم يجعَلِ اللَّهُ تعالى للخَلْق آلهةً يعبدونهم، لزِمَتْهم الحُجَّةُ.

وقيل: تقديرُه: واسأل أتباعَ مَن أرسلنا، على الإضمار.

وقيل: تقديرُه: واسألْ عمَّنْ أرسَلْنا، فحُذِفَ (عن)؛ أي: سَلْ أُمَمَهم عنهم، وهو كقوله: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٤]؛ أي: مسؤولًا عنه، فحُذِفَتِ الصِّلَةُ.

ثم السؤالُ يكون لرَفْعِ الإشكال، ولم يكن رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشُكُّ في ذلك، وإنما الخِطابُ له والمرادُ غيرُه.

وعن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: لَمَّا نزلَتْ هذه الآية قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أنا بالذي أشُكُّ، وما أنا بالذي أسألُ" (١).

وللآية وجهٌ آخرُ على ظاهرِها مِن غير إضمار:


(١) لم أقف عليه في هذه الآية، وتقدم نحوه عند تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤].