للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}: أي: لئلا يَبْطُلَ ثوابُ أعمالِكم التي هي طاعاتٌ وقُرُباتٌ بالاستخفاف بحقِّ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ} [النساء: ١٧٦]: أي: لئلَّا تَضِلُّوا.

قال جابر بن عبد اللَّه: جاءت بنو تميمٍ وهم سبعون أو ثمانون، وفيهم الأَقْرَعُ بنُ حابسٍ، والزِّبْرِقانُ بنُ بدرٍ، وعُطاردُ بنُ حاجبٍ، فنادَوا على الباب: يا محمَّدُ، اخرُجْ علينا، فإنَّ مَدْحَنا زَيْنٌ، وإنَّ ذمَّنا شَيْنٌ، قال: فسَمِعَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرَجَ عليهم وهو يقول: "إنما ذلكم اللَّهُ الذي مَدْحُه زَيْنٌ وذَمُّه شَيْنٌ"، قالوا: نحن ناسٌ مِن بني تميمٍ جئنا بشاعرِنا وخطيبِنا لِنُشاعِرَكَ ونُفاخِرَكَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بالشِّعْرِ بُعِثْتُ، ولا بالفَخارِ أُمِرْتُ، ولكنْ هاتوا"، فقال الزِّبْرِقانُ بنُ بدرٍ لشابٍّ مِن شبَّانهم: قُمْ واذكُرْ فَضْلَكَ وفَضْلَ قومِكَ، فقام فقال: الحمدُ للَّه الذي جعلَنا خيرَ خَلْقِه، وآتانا أموالًا نفعلُ بها ما نشاءُ، فنحن مِن خير أهل الأرض، مِن أكثرِهم عُدَّةً ومالًا وسلاحًا، فمَن أنكرَ علينا قولَنا، فليأتِ بقولٍ أحسنَ مِن قولنا، وبفِعالٍ هو خيرٌ مِن فِعالِنا.

قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ، وكان خطيبَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُمْ فأجِبْهُ"، فقام، فقال: الحمدُ للَّه أحمَدُه، وأستعينُه وأومِنُ به وأتوكَّلُ عليه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، دعا المهاجرين مِن بني عمِّه أحسنَ الناسِ وُجوهًا، وأعظمَهم أحلامًا (١)، فأجابوه، الحمدُ للَّه الذي جعلَنا أنصارَ دينِه ووُزَراءَ رسولِه وعِزًّا لدِينه، فنحن نُقاتِلُ الناسَ حتى يشهدوا أنْ لا إلهَ إلا اللَّهُ، فمَن قالَها مُنِعَ مِنَّا مالُه ونفْسُه، ومَن أباها قاتَلْناه، وكان زعمُه في اللَّه هَيِّنًا، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللَّهَ للمؤمنين والمؤمنات.


(١) في (ف): "أخلاقًا".