للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إشفاقَهم، ولكنَّ الحقَّ اختطَفَهم عن شُهودِ إشفاقِهم، حيث أشهَدَهم مِنَّتَه عليهم حتى قالوا: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}، وقالوا: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}.

* * *

(٢٩ - ٣٠) - {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}.

وقولُه تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ}: أي: فَدُمْ على تذكيرِهم بهذا كلِّه، ولا تَلْتَفِتْ إلى قولِهم لكَ: إنك كاهنٌ أو مجنونٌ، فما أنتَ كذلك {بِنِعْمَتِ رَبِّكَ}؛ أي: قد أنعَمَ اللَّهُ عليكَ بكمال العقلِ، وبرَّأَكَ مِمَّا وصفَكَ به أهلُ الجهلِ.

{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ}: وهذه مُحاجَّةٌ للمشركين، يقولُ: أتقولون: إنَّ محمدًا شاعرٌ {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}؛ أي: ننتظِرُ به الموتَ فنستريحُ منه؛ كما ماتَ شاعرُ بني فُلانٍ فاستراحَ الناسُ مِن لسانِه وشَتْمِه.

و {الْمَنُونِ}: عند الكسائيِّ والأخفشِ والفرَّاءِ: الدَّهْرُ (١)، و {رَيْبَ الْمَنُونِ}: حوادثُ الدَّهرِ.

والخليلُ يقولُ: {الْمَنُونِ}: الموتُ (٢)، وهي مُؤَنَّثةٌ سماعًا، ورَيْبُها: أوجاعُها (٣)، وسُمِّيَ الدهرُ مَنونًا؛ لأنَّه يذهَبُ بمُنَّةِ الإنسان؛ أي: قُوَّتِه، وسُمِّيَ الموتُ مَنونًا لأنه


(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٣/ ٩٣). وذكره الواحدي في "البسيط" (٢٠/ ٥٠٠) عن الفراء، والأصمعي، والكسائي. وذكره ابن قتيبة في "غريب القرآن" (ص: ٤٢٦) عن الكسائي.
(٢) انظر: "العين" (٨/ ٣٧٥).
(٣) في (أ): "إرجاعها".