للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٤٥ - ٤٦) - {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}.

وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}: أي: إنَّ هؤلاء كانوا قبلَ أنْ يصيروا إلى ما صاروا إليه متنعِّمين في خلافِ ما أحلَّ اللَّهُ لهم، قد أطلقوا أنفسَهم يعملون ما يشتهون، ولا يُكِدُّون أنفسَهم في عبادةِ اللَّهِ تعالى والعملِ بطاعتِه، ولا ينزعون عمَّا حظرَه اللَّهُ عليهم.

وقال ابن عبَّاس: {مُتْرَفِينَ}: منعَّمين (١). والتَّرفُّه: النِّعمة.

{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}: أي: يقيمون ويديمون على الإثمِ العظيمِ، وهو الشِّركُ. قاله قتادة والضَّحَّاك والكلبيُّ وابن زيد والحسن (٢).

وقال مجاهدٌ: هو الذَّنب العظيم (٣). وهو قول قطرب والخليل (٤).

وقد بلغَ الغلامُ الحِنْثَ؛ أي: حدَّ البلوغِ، الذي يأثم بما فعلَه مِن الذَّنب.

وقال الشَّعبيُّ: هو اليمين الغموس (٥).

وقيل: يُسمَّى الشِّركُ حِنْثًا لأنَّه نقضُ اليمين التي حلفوا بها، وهو قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: ٤٢].

وقيل: هو إثمهم بيمينهم الكاذبة: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: ٣٨].


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٣٣٨)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٣٣).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٣٣٩ - ٣٤٠) عن الضحاك وقتادة وابن زيد.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٣٣٩). ولم يفرق الطبري بين هذا القول وبين ما سبقه من قول قتادة والضحاك وابن زيد، فقد قدم للجميع بقوله: يعني على الذنب العظيم وهو الشرك باللَّه.
(٤) انظر: "العين" للخليل (٣/ ٢٠٦).
(٥) انظر: "النكت والعيون" للماوردي (٥/ ٤٥٧)، و"البسيط" (٢١/ ٢٤٢).