للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٧٣) - {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}.

قوله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً}؛ أي: تذكِّركم نارَ جهنَّم فتتَّقونها، فإن من آذاهُ أكلُ الطَّعامِ الحارِّ، وعجزَ عن طولِ المُكْثِ في الحمَّام الذي اتَّخذَه للاسترواحِ والاستطهارِ لِمَا أنَّه سُخِّنَ بالنَّار، كيفَ يصبرُ على طولِ المُكْثِ في عينِ النَّارِ.

{وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}: قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما ومجاهد وقتادة والضَّحَّاك: أي: المسافرين (١).

وقد أقوى؛ أي: نزلَ القِيَّ، وهو القَفْرُ، وأَقْوَتِ الدَّارُ؛ أي: خَلَتْ عن أهلِها.

ومعناه: يتمتَّعونَ بها اصطلاءً مِن البرد، واستضاءةً مِن الظُّلمة، وإنضاجًا للطَّعام، وتجفيفًا للثِّياب، واستئناسًا بنورِها بلقاء الأصحاب.

وقدَّمَ التَّذكرة على المتاع لأنَّه أهمُّ، وقد غفلَ النَّاسُ عنها.

وإنَّما خصَّ المسافرين بالذِّكْرِ مع أنَّ المقيمين متمتِّعون بها أيضًا؛ لأنَّ حاجةَ المسافر إليها أمسُّ (٢)، فدخلَ المقيمُ فيها بطريقِ الأولى.

وقيل: هو مِن بابِ الاكتفاءِ بذكْرِ أحدِ الشَّيئين والمرادُ كلاهما، وهو كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١]؛ أي: الحرَّ والبردَ، فاكتفى بذِكْرِ أحدهما.


= (٨/ ١٣٧)، والبغوي في "تفسيره" (٧/ ٢٩)، عن للحكماء، وعزاه الماوردي في "تفسيره" (٥/ ٣٤) للكلبي. فلعله مما روي عن الكلبي عن ابن عباس.
والعناب: شجر شائك من الفصيلة السدريَّة، يبلغ ارتفاعه ستَّة أمتار ويُطلق العنَّاب على ثمره أيضًا، وهو أحمر حُلو لذيذ الطَّعم على شكل ثمرة النَّبق. انظر: "المعجم الوسيط" (مادة: عنب).
(١) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٣٥٦).
(٢) في (أ): "أمس به".