للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وانتظامُ السُّورتَيْن: أنَّ تلك السُّورة في ذِكْرِ السَّابقين وأصحابِ اليمين والمكذِّبين الضَّالين، وهذه السُّورة في حثِّ السَّابقين وأصحاب اليمين على جهاد المكذِّبين الضَّالين، والإنفاق فيه على المجاهدين.

وافتُتِحَتِ السُّورة بذِكْرِ أنَّ جميعَ مَن في السَّماوات والأرض وما فيهما مُلْكُه، وهو سبحانَه غنيٌّ عنهم، وإنَّما أمرَ بجهادِ الكفَّار لا لعجزِه عن إهلاكِهم، لكن امتحانًا لهم ليتميَّز صادقُهم من كاذبهم.

* * *

(١) - {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

وقوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: يحتمِلُ أنَّه أرادَ أنَّ جميعَ ما في السَّماوات والأرض (١) مِن أصنافِ الخلائقِ -حيوانِه ومواتِه، وناميه وجمادِه، وجواهرِه وأعراضِه- دليلٌ على اللَّهِ تعالى وحدَه، وعلى أنَّه عزيزٌ حكيمٌ، مالكٌ لأصنافِ الخلائقِ كلِّها، قادرٌ على إحياءِ مَوتاها وإماتةِ أحيائِها، وعلى كلِّ شيءٍ يريدُه، فهي بما فيها من آثار الصَّنعة وشواهدِ الحدوث تنزِّهُهُ -جلَّ جلالُه- عمَّا يضيفُه إليه المشركون مِن الشُّركاء والأنداد، ويحرِّفون مِن صفاته أهلُ الإلحاد، ويشهدُ بأنَّه {الْعَزِيزُ}؛ أي: المنيعُ بسلطانِه وجلالِه، {الْحَكِيمُ}: المصيبُ في أقوالِه وأفعالِه.

وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: يقول: {سَبَّحَ لِلَّهِ}: صلَّى للَّهِ {مَا فِي السَّمَاوَاتِ}: مِن الملائكةِ والشَّمس والقمرِ والنُّجوم، {وَالْأَرْضِ}: مِن الجبال والأنهار والأشجارِ والطَّير والدَّوابِ، {وَمَا بَيْنَهُمَا}: مِن الرِّياح والسَّحاب، وما فيه روحٌ


(١) في (ر): "وما فيها ملكه".