للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأبقَتْ ما أبقَتْ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أقولَ لشيءٍ كان: ليتَهُ لم يكنْ، أو لشيء لم يكن: ليتَهُ كان (١).

وقال قتيبة بن سعيد: دخلْتُ بعضَ أحياءِ العرب، فإذا أنا بفضاءٍ في الأرض مملوءٍ من جِيَف الإبل الموتى بحيث لا أحصي عددَهم، فسألْتُ عجوزًا: لِمَنْ كانَتْ هذه الإبل؟ فأشارَتْ إلى شيخٍ على تلٍّ يغزلُ الصُّوفَ، فقلْتُ: يا شيخُ، ألكَ كانَتْ هذه الإبل؟ قال: كانت باسمي، قلْتُ: فما أصابها؟ قالَ: ارتجعها الَّذي أعطاها، قلْتُ: وهل قلْتَ فيه شيئًا؟ قال: نعم:

لا والَّذي أنا عبدٌ مِن خلائقِهِ... والمرءُ في الدَّهْرِ نصبَ الرُّزْءِ والمحِنِ

ما سَرَّني أنَّ إبْلِي في مَبارِكِها... وما جرى مِن قضاءِ اللَّهِ لم يَكُنِ (٢)

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} ابتداءً، ونزلَتْ في شأنِ اليهودِ، يكتمون بيانَ صفةِ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- في التَّوراةِ، {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ} يعني: قومَهم بذلك مخافةَ أنْ تذهبَ مأكلتهم من (٣) السَّفلةِ {وَمَنْ يَتَوَلَّ}: يُعْرِضْ عن الإيمان {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عن العبادِ {الْحَمِيدُ} في أفعالِه (٤).

وقال الحسنُ رحمه اللَّه: اليهودُ بخلوا بحقِّ اللَّه تعالى في أموالِهم، {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ} بذلك: أهلَ دينِهم، {وَمَنْ يَتَوَلَّ} عن اللَّهِ ورسولِه فيما دعاهم إليه، فإنَّ اللَّهَ


(١) رواه ابن المبارك في "الزهد" (٢/ ٣١)، وأبو داود في "الزهد" (١٢٨)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٩١٧١)، وابن بطة في "الإبانة" (١٥٩٥).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٤٦)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٨/ ١٧٣).
(٣) في (أ): "في".
(٤) رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" (٦/ ٢٧٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٩٥٢).