للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى}: أي: ألم ترَ يا محمَّد إلى الذين نُهوا عن النَّجوى (١)، أكثر المفسِّرين على أنَّهم اليهود.

روي عن عائشة رضي اللَّه عنها: أنَّ اليهود دخلوا على النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: السَّام عليك، ففطنَتْ لهم عائشة فقالَتْ: عليكم السَّام واللَّعنة يا إخوة القردة والخنازير، فقال: "مَهْ يا عائشة، إنِّي لم أُبْعَثْ فحَّاشًا، وإنَّ اللَّهَ لا يحبُّ الفُحْشَ ولا التَّفحُّش"، قالت: يا رسول اللَّه، ألم تسمع ما قالوا؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألم تسمعي أنِّي رددْتُ عليهم فقلْتُ: وعليكم، وإنَّما نُجابُ عليهم ولا يجابون علينا"، فأنزل اللَّه تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة: ٨] (٢).

وقيل: كان المنافقون يتناجون بينَهم، وينظرون إلى الرَّجل من المسلمين؛ ليظنَّ أنَّ مناجاتهم في أمرِه، وأنَّهم قد أَخبروا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه بسوء.

وقيل: كان المنافقون واليهود إذا رأوا رجلًا قد غزا له حميمٌ في بعض السَّرايا تناجى الاثنان منهم، ونظروا إلى المسلم ليقعَ في قلبه أنَّ صاحبه الغازيَ قد قُتِل أو أُسِر، وكذلك كانوا يفعلون إذا خرجوا من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، يتناجون (٣) فيظنُّ المسلم أنَّه قد بلغَهم فيه شيءٌ، فلمَّا طالَ ذلك على المسلمين شكوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرَهم ألَّا يتناجوا فيما بينهم دون المسلمين، فلم ينتهوا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.

وقيل: كانوا يتناجون حيث يشاهدهم المؤمنون بسوءِ التَّدبير على النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١) "أي ألم تر يا محمد إلى الذين نهوا عن النجوى" ليس في (ف).
(٢) روى نحوه البخاري (٦٠٣٠)، ومسلم (٢١٦٥)، دون سبب النزول، وروى نحوه مع سبب النزول النسائي (١١٥٠٧).
(٣) "وأصحابه يتناجون" ليس في (أ) و (ف).